ضم هنا الموضوعات المتشابهة تحت كتاب واحد. فانتظمت ثلاثة كتب رئيسية متميزة عن بعضها البعض، منسجمة الموضوعات، تربط كل مجموعة منها علاقة فقهية واضحة بنظرة عابرة.
ألحق هذه الكتب الثلاثة بالقسم الأول (العبادات) - كما هو منهج المالكية - لأن معنى العبادة فيها واضح، وجانب التعبد فيها أبين وأبرز من أي معنى آخر.
في حين نرى موضوعات هذه الكتب مبعثرة أشتاتاً كلاً، أو بعضاً في مدونات المذاهب الأخرى، متنازعة بين الأقسام المختلفة.
وفي القسم الثاني من تقسيمه للفقه (المعاملات) وهو يتوسع في مدلول هذه الكلمة بما هو أوسع مما عند الأحناف؛ إذ أن هذه الكلمة تشمل عنده كل موضوعات الفقه ما عدا العبادات، نقف في هذا القسم على عناوين كتب جديدة لا نعهدها في المدونات الفقهية مجتمعة كما تصورها بن جزي، هي:
الكتاب الرابع (العقود المشاكلة للبيوع)، ويشرح مقصوده من هذه الكلمة (المشاكلة للبيوع) بقوله: " ووجه المشاكلة بينهما أنها تحتوي على متعاقدين بمنزلة المتبايعين، وعلى عوضين بمنزلة الثمن والمثمون ".
الكتاب السادس (في الأبواب المشاكلة للأقضية).
الكتاب الثامن (في الهبات والأحباس وما شاكلها).
وغالباً ما يأتي اللبس والتداخل في موضوعات هذه الأبواب، إذ تختلف فيها أنظار المؤلفين، ويتباين تبويبهم لها.
هذه العناوين الجديدة، بهذا الجمع والتمييز لم يتوافر بهذه الصورة الشاملة في المدونات الفقهية في مذهب من المذاهب المعروفة. فمن ثم لا يجد الباحث نفسه متطلعاً إلى البحث عن تعليل أو تبرير لوضع هذا الباب ضمن هذا القسم أو ذاك؛ لأنها أتت طبيعية متجانسة متناسبة فجاءت على الأصل، وما جاء على أصله لا يسأل عنه.
الثاني: الحل في اتجاه التجديد في الصياغة والتنظيم:
إن الفقهاء في العصر الحديث فتحوا أعينهم على مناهج جديدة في التأليف الفقهي، ونمط غير مألوف في كتب التراث هو (التنظير الفقهي) لموضوعات الفقه ومسائله؛ إذ تعتمد هذه الطريقة على الحصر الشامل لكليات الموضوع وجزئياته، أسبابه، وشروطه، وأركانه، وتقسيماته في تسلسل منطقي، تربط كافة أطرافه علاقة فقهية معينة يتوخاها الفقيه في دراسته.
وفي تحليل المعنى المقصود من (النظريات الفقهية) يقول الأستاذ مصطفي الزرقا:
" نريد من النظريات الفقهية الأساسية تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى، التي يؤلف كل منها نظاماً حقوقياً، موضوعياً، منبثاً في تجاليد الفقه الإسلامي، كانبثاث أقسام الجملة العصبية في نواحي الجسم الإنساني، وتحكم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شعب الأحكام.
وذلك كفكرة الملكية وأسبابها، وفكرة العقد وقواعده ونتائجه، وفكرة الأهلية وأنواعها، ومراحلها، وعوارضها، وفكرة النيابة وأقسامها، وفكرة البطلان والفساد والتوقف، وفكرة التعليق والتقييد والإضافة في التصرف القولي، وفكرة الضمان وأسبابه وأنواعه، وفكرة العرف وسلطانه على أساسها صرح الفقه بكامله، ويصادف الإنسان أثر سلطانها في حلول جميع المسائل والحوادث الفقهية .... ".
وبعبارة أخرى مختصرة فالنظرية كما يذكر الدكتور محمد فوزي فيض الله في الاصطلاح الحقوقي المعاصر:
" مفهوم حقوقي عام، يؤلف نظاماً موضوعياً تندرج تحته جزئيات، تتوزع في فروع القانون المختلفة: كنظرية الالتزام، ونظرية الحق، ونظرية الملكية، ونظرية العقد ".