١٣ - وفيما يتعلق بقتال البغاة بينت أن الأصل في مشروعيته قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {٩} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وإنما يقاتلون إذا ارتكبوا أمرا من أمور خمسة وهي:
أولا: إذا تعرضوا لحريم أهل العدل.
ثانيا: إذا كانوا سببا في عدم رفع راية الجهاد.
ثالثا: إذا أخذوا من بيت مال المسلمين ما ليس لهم.
رابعا: إذا امتنعوا من دفع ما وجب عليهم.
خامسا: إذا تظاهروا على خلع الإمام الذي انعقدت له البيعة.
ويخالف قتالهم قتال المشركين من أوجه متعددة منها:
أولا: أن القصد من قتالهم ردعهم لا قتلهم، فإن لم يرتدعوا إلا بالقتل قتلوا.
ثانيا: يجب الكف عن مدبرهم.
ثالثا: لا يجهز على حريمهم.
رابعا: لا يقتل أسيرهم.
خامسا: لا تغنم أموالهم.
سادسا: لا يوادعون على مال.
وإنما شرع قتالهم لحماية الدين، ولحماية نظام الحكم القائم على أساس الدين، وللحفاظ على وحدة المسلمين التي بها عزهم وسؤددهم، ولوقاية الأمة من ويلات التفرق والتمزق والاقتتال، الذي ينهك اقتصادها ويزعزع أمنها، ويربك أفرادها، ويعطل مصالحهم، وبالتالي يؤدي إلى تعطيل شعائر الدين، ويجعل الأمة مرتعا خصبا للأفكار الهدامة والمبادئ الدخيلة.
١٤ - وفيما يتعلق بمحافظة الإسلام على النسل شرعت عقوبة القتل في حق الزاني المحصن رجما بالحجارة حتى الموت، وشرعت عقوبة الموت أيضا في حق الفاعل والمفعول به في جريمة اللواط، وفي حق من أتى بهيمة.
وفي هذا الباب عرضت شبهة من أنكر عقوبة الرجم من الخوارج، وممن نحا نحوهم، وفندتها واحدة تلو الأخرى.
وإنما شرعت العقوبة بالقتل في حق هؤلاء – الزاني المحصن، والفاعل والمفعول به في جريمة اللواط، ومن أتى بهيمة – حماية لنظام الأسرة ومحافظة على طهارة الأنساب، ومنعا للإباحية الجنسية، وما تجره على الأفراد والأسر والمجتمعات من فادح النكبات، فعن طريقها تنتشر الأمراض بين أفراد الأمة، وتنقطع الصلات، وتعم البغضاء والشحناء، وقد تؤدي هذه الأمور جميعا إلى الخصام والاقتتال.
إن النظام الجنائي الإسلامي هو النظام الوحيد بين النظم المعروفة في العالم المعاصر الذي يسعى إلى المنع من الإباحية الجنسية، ويعاقب على الزنى واللواط مجردا من أي اعتبار آخر من إكراه أو اغتصاب وما أشبه ذلك، ولا يجعل لرضا الطرفين في هذه العلاقة المحرمة أي اعتبار، وذلك لأنه نظام قائم على أساس أخلاقي، يزن أعمال المرء وأقواله بميزان الأخلاق والقيم، فما كان منها منافيا للأخلاق الفاضلة فهو أمر سيء، لا ينبغي حدوثه ولا تقبله، ولذلك شرع العقاب على التصرفات المنافية للأخلاق ولو صدرت هذه التصرفات برضا المعنيين بها، فشرع عقاب الزانيين وإن كانا راضيين، وشرع عقاب الفاعل والمفعول به في جريمة اللواط وإن كانا راضيين، حماية للأخلاق، وصيانة للأمة من كل ما يؤدي إلى تدهورها وانحطاطها في أخلاقها واقتصادها، وصحة أفرادها.