١٥ - وشرعت عقوبة الساحر حماية للعقيدة من أدران الشرك، وحفاظا على الدين الذي هو أساس فلاح الأمة، وصيانة للعقل البشري من الخرافات والخزعبلات التي ما انتشرت في أمة من الأمم إلا دب بها الوهن والخوف والوجل بسبب اعتقادها حصول النفع والضرر من الجمادات وتلمسها أسباب الحياة من النجوم والكواكب والشياطين، وتقاعسها عنه .. السعي في الأرض، وعدم اتباعها الوسائل المشروعة والأسباب المعقولة التي جعلها الله علة لمسبباتها، وطريقا لعمارة الأرض وتحقيق معنى الخلافة فيها.
١٦ - ثم بينت بعد ذلك أهمية الصلاة في الإسلام وأنها عمود الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وقد شرعت عقوبة تاركها عمدا، ورجحت قول من قال بأنه يقتل حدا لا كفرا، فباب التكفير باب خطير، وبينت أن الأحاديث والآثار التي دلت على كفر تارك الصلاة مراد بها كفر العمل لا كفر الاعتقاد، وذلك للجمع بين الأدلة الواردة في هذه المسألة.
١٧ - وكانت نهاية المطاف عقوبة من اعتاد شرب الخمر، وقد رجحت قول من قال بجواز قتل من اعتاد شرب الخمر في المرة الرابعة تعزيرا. للنصوص الواردة في ذلك.
وإنما شرعت هذه العقوبة في حقه وجعلت من باب التعزير حماية لعقل الإنسان، الذي يعتبر أشرف ما ميز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات الأرضية، وبدونه تنحط مرتبته، ويصبح كالحيوان البهيم بل أقل شأنا، ولوقاية الفرد والأمة من مخاطر الخمر الفادحة، ومنها إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة وصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} فقد دلت الآية على أن شرب الخمر سبب من أسباب الفساد الديني وذلك لأنها تصد عن ذكر الله وعن إقام الصلاة، وسبب من أسباب الفساد الاجتماعي، وذلك لأنها تؤدي إلى العداوة والبغضاء.
أضف إلى ذلك تأثيرها السيء على صحة شاربها العقلية والنفسية والجسدية، بسبب تأثيرها السام على الجسم، ثم هي أيضا سبب من أسباب انتشار الظاهرة الإجرامية، فقد تبين من بعض الإحصائيات التي قام بها المختصون في علم الإجرام أن الإدمان على الخمر تعزى إليه ما نسبته ٦٦% من جنايات الاعتداء على الأشخاص، ٦ر٥٦% من الجنايات المخلة بالآداب، وأن نسبة المدمنين من مجرمي العنف ٨٢%.
كما تبين من بعض الإحصائيات الفرنسية أن الصلة وثيقة بين إدمان شرب الخمر وبين القتل والضرب والجرح والجرائم الجنسية والحرائق.
وجاء في بيان تحذيري صادر عن منظمة الصحة العالمية أن الخمرة هي أصل كل الشرور حيث أن نحو ٢٨% إلى ٨٦% من حوادث القتل في العالم تعزى إليها، كما يعزى إليها من ٢٤% إلى ٧٢% من الجروح، ومن ١٣% إلى ٥٠% من حوادث العنف والاغتصاب.
وبناء عليه فإن عقاب معتادي الشرب بالقتل تعزيرا أو بغيره من أنواع العقاب الرادع يؤدي إلى التقليل من حدوث الجرائم في المجتمع، لما هو معروف من أن العقوبة الرادعة تمنع من الإقدام على الجريمة.