هكذا كانت الحالة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – وقيام الدولة السعودية، ولكنها تغيرت كثيرا بعد الدعوة، فاستقرت الأحوال الاجتماعية، واستتب الأمن حتى إن الرجل لينتقل من طرف البلاد إلى طرفها الآخر – مع اتساع رقعتها – دون أن يعترضه أحد.
وحينما حصل بعض التساهل في تطبيق أحكام الشرع نتيجة لبعض الظروف التي مرت بها الجزيرة العربية في فترة متأخرة من ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عادت الفوضى وعم الفساد إلى أن تولى المغفور له الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – أمر هذه البلاد فأخذها على الجادة، وحكم فيها شرع الله، فاستقرت الأحوال مرة أخرى، واستتب الأمن، وعم الرخاء، وأمن الحجاج على أرواحهم وأموالهم في طريقهم إلى مكة، وأثناء أدائهم مناسك الحج، فلا قطاع طرق، ولا نهب، ولا سلب، وما ذلك إلا بفضل الله، ثم بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية، قولا وعملا واعتقادا، حتى أصبحت هذه البلاد مضرب الأمثال في الأمن والاستقرار، وهكذا فإن تطبيق شريعة الله هو الحل الأمثل والطريق الأسلم، بل والوحيد لتحقيق الأمن في المجتمعات، وتقليص الجرائم والحد منها.
٢٠ - ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أصوات الشعوب الإسلامية – في البلدان التي سيطر عليها الاستعمار، وفرض عليها القوانين الوضعية – بدأت تنادي مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتنفيذ أحكام الله في المجرمين بعد أن أثبت الواقع فشل القوانين الوضعية في الحد من الظاهرة الإجرامية، ونشر الأمن والاستقرار في ربوع تلك الديار إلا أن طائفة ممن تأثروا بالفكر الغربي، وكان لهم تأثير على مجريات الأمور في البلدان أيدوا بعض الشبه والتعليلات للإبقاء على القوانين الوضعية سارية في تلك البلدان، وهم بذلك يرددون ما أثاره ويثيره أسيادهم في الغرب من شبه يؤيدون بها إلغاء عقوبة الإعدام في بلدانهم، وقد صب هؤلاء المقلدون والمتأثرون بالثقافة الغربية جام غضبهم على عقوبة القتل، واعتبروا تطبيقها أو التفكير فيها ارتكاسا وعودة إلى الوحشية، ورغم أن تلك الشبه التي أوردوها لا تنطبق على المجتمعات الإسلامية إلا أنني أذكرها هنا لبيان زيفها وفسادها فمن تلك الشبه:
أولا: أن المجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يملك الحق في حرمانه منها عقابا له على جريمة ارتكبها.
وهذه شبهة واهية، لا ترد على العقوبة بالقتل في الشريعة الإسلامية، وذلك لأن المشرع في الدين الإسلامي هو الله وحده وليس المجتمع – كما ذكر في هذه الشبهة – فالله عز وجل هو الذي خلق الإنسان ومنحه السمع والبصر والحياة والعقل، وهو سبحانه العالم بما يصلحه، وقد شرع عقوبة القتل على جرائم خاصة، تحقيقا لمصلحة هذا الإنسان، ومحافظة على عمران هذا الكون، وما على المرء إلا الامتثال لأمر الله عز وجل، واهب الحياة لمن أراد، ومشرع هذه العقوبات، ومنها عقوبة القصاص، لما فيها من حياة بني الإنسان، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ثانيا: أن هذه العقوبة عقوبة قاسية، وقد يحكم بها خطأ فتنفذ في شخص بريء خطأ، فلا يكون هناك سبيل إلى إصلاح هذا الخطأ وإزالة آثاره، وحينئذ تكون العقوبة جريمة، وبدلا من أن يقف الحاكم للمنع من وقوع الجريمة، يقف منفذا لها، وآمرا بها، وذلك أمر لا يستساغ، وضربوا على ذلك مثلا بأنه قد وجد في لاوس بين عام ١٨٨٩ وعام ١٩٢٧ أن خمسين شخصا من أربعمائة وستة أشخاص – ممن أرسلوا إلى سجن (سنج سنج) محكوما عليهم بالإعدام – تبين عند إعادة النظر في قضاياهم أنه قد حكم عليهم بالإعدام خطأ فلو نفذ الحكم في هؤلاء لما أمكن إصلاح الخطأ الذي ارتكب في حقهم.