لقد جاءت تصفية الوجود الإسلامي بالأندلس على إثر حركة الاسترداد، إضافة إلى التوغلات الإسبانية في سواحل شمال إفريقيا والاستيلاء على عدة ثغور هناك لتعيد إلى الذاكرة الجماعية الحملات الصليبية, والهجمات المسيحية, على العالم الإسلامي, والتي جاء تدخل العثمانيين في كل من الجزائر وتونس في القرن السادس عشر ليضع لها حدا نهائيا، ويخلص مسلمي البلدين من خطر عجزوا على دحره بمفردهم، الأمر الذي جعل ما استهدف له المسلمون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وراء شعورهم بالاضطهاد والاستعداء عليهم، وتنامي إحساسهم بالتآمر الغربي جراء تشتتهم وتشرذمهم، وهو مناخ نفسي هيأهم للتقارب والتآزر، وأوجد لديهم قابلية قصوى للتوحد والالتفاف حول الخلافة العثمانية رمز تلك الوحدة وذلك التآزر، خصوصا وأن الأوضاع المذكورة أعادت – بالنسبة إلى مسلمي المغرب العربي – تحديات وأخطار القرن السادس عشر، فلم يجدوا – آنذاك – غير العثمانيين الذين هبوا – كما أسلفنا – لنجدتهم وتخليصهم من الوجود الإسباني، وهي (منة) جاء الاستعمار الفرنسي وسياسته القائمة أساسا على ضرب معالم سيادتهم ورموز هويتهم, فضلا عن إضراره بموارد حياتهم, والمس بمواقعهم الاجتماعية, ليزيد من تمجيد المغاربة للفترة العثمانية في تاريخ بلدانهم، ويساهم في تدعيم ولائهم لهم، والتعويل عليهم مرة أخرى – كما كان الشأن في القرن السادس عشر – في نجدتهم وإعانتهم على التخلص من الاستعمار الجاثم على أوطانهم، فانخرطوا في حركة الجامعة الإسلامية التي كانوا من أبرز رموزها والمروجين لها، والمساهمين – بالتالي – في كسر الجمود والركود الذي يمزق العالم الإسلامي في تاريخه الحديث، وإخراجه من السكونية التي غرق فيها بإيجاد حركية فكرية وثقافية وسياسية رجت النفوس الخاملة، وهزت الهمم المحتقنة، وحررت الطاقة الكامنة والمكبوتة، ووفرت لها أرضية ومجالات للتعبير عما يختلج بداخلها، فَمَثَّل كل ذلك بداية تلمس معالم نهضة حضارية، وحرص على إيجاد موقع قدم يحفظ وجود الذات، ويثبت الكيان، ويخرج المسلمين من موقع المستضعف وخانة المفعول به إلى صف المبادر والفاعل على مستوى الأحداث والتوازنات الدولية، وبذلك نتبين أن الولاء للعثمانيين يجد مبرراته بالأساس في الأوضاع الدقيقة، والظروف الحرجة التي حاقت بالعالم الإسلامي منذ الفترة الوسيطة من تاريخه، والتي لعبوا فيها دورا بارزا ومحددا في الدفاع عن (بيضة الإسلام)، وهي امتيازات أهلتهم (العثمانيون) للظهور – على مسرح الأحداث – كقوة ضاربة أوكلت لها – بعد نهاية العباسين – مسؤولية الدفاع عن المسلمين ومهمة حمايتهم، الأمر الذي خولهم لتولي منصب الخلافة وتقلد الزعامة الروحية للعالم الإسلامي.
لقد كان ذلك الولاء التاريخي، إضافة إلى مستجدات نهاية القرن التاسع عشر, وبدايات القرن العشرين, وراء إلتفاف مسلمي المغرب الغربي حول مركز الخلافة، وتدعم ولائهم له، وهو ولاء لا يمكن البتة اعتباره مندرجا في إطار حرص الوطنيين على استعادة استقلال بلدانهم في ظل الدولة العثمانية – كما كان الشأن في الفترة الحديثة -، وإنما يهدف بالأساس إلى الاستفادة من نفوذ مركز الخلافة وثقله الديني والسياسي في إعانتهم على تحرير بلدانهم.