للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن نعلم أن الجماعة الأولى التي رباها وأعدها الرسول صلوات الله وسلامه عليه- في العهد المكي-على عينه، وحقق فيها منهج التربية والإعداد بكاملها هي القدوة الدائمة لنا بعد شخص الرسول – صلى الله عليه وسلم- وأن صورتها الواقعية هي المرجع الدائم لنا في المنهج والإعداد بعد كتاب الله – عز وجل- وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم. وأن هذه الجماعة ستظل لأجيال المسلمين بل لأجيال البشرية كلها هي النور الذي يستضيئون به ويحاولون أن ينسجوا على منواله. فإن استطاع المسلمون أن يعيدوا سيرتها في أنفسهم في أي جيل من أجيالهم فهو الخير لهم ولكل البشرية وإن لم يستطيعوا فلن تذهب محاولتهم هباء لأنهم سيكونون في أثناء المحاولة قد ارتفعوا بأنفسهم إلى أقصى طاقاتهم فيكون الخير.

الثالث: أن نعلم أنه لا طريق لنا إلا ذلك الطريق الذي سلكته الجماعة الأولى في خروجها من جاهليتها حتى استوى بها إلى قمة الإسلام الشامخة. إن وجهة المسلمين إن أرادوا أن يعودوا إلى الحياة مرة أخرى وينفضوا عنهم ذلك الهوان المخزي الذي يعيشون فيه ينبغي أن تكون هي تلك الجماعة الأولى وعلى رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تكون هي موسكو، أو لندن، أو واشنطن أو بكين .. ولا بأس بعد أن يتجهوا إلى تلك الجماعة لينسجوا على منوالها ويحاولوا الاقتداء بها أن يستفيدوا مما يجدونه صالحا للاستفادة به في تلك البلدان. وإذا تعجلنا النظر إلى مجتمع المدينة المنورة أول مجتمع إسلامي نجده قام على تلك القاعدة نفسها وإنما توسعت آفاتها حسب الزمان والمكان وملاءمة الظروف، فاندمجت جماعة الأنصار في المدينة فأصبحت جيلا واحداً وأمة واحدة تحمل شهادة خالدة تتلى في الليل والنهار ويتعبد بها على يد الرسول والمربي صلى الله عليه وسلم، لم ينالوا تلك الشهادة عفوا صفوا، بل ببذل الغالي والنفيس {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ..... } (١١٠) سورة آل عمران، هذه الجماعة التي تربت على هدي القرآن الكريم وعلى يد الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي كتبت التاريخ بأحرف من نور.

١٧ - إن هذا الدين لم يصل إلينا عفوا صفوا، وإنما وصل إلينا كما عرفت بعد التضحيات بالأوطان، بالأموال، بالدماء، بالأشلاء، بالمهج التي بذلها الجيل الأول، رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا يجب على المسلمين أن يتمسكوا بهذا الدين، وأن يعضوا عليه بالنواجذ لأنه نزل من عند الله الخالق العليم بمصالح عباده ومضارهم، الحكيم في تدبير أمورهم وفيه سعادتهم في الدارين.

<<  <  ج: ص:  >  >>