إن هذا الاعتناء الدقيق بمناخ النخب السعودية وخلفيتها السياسية والاجتماعية ما كان ليثني عزمي عن البحث المدقق في مكوناتها وتركيبها، فالنخبة ذاتها لو اقتربت منها لوجدتها تنقسم بدورها إلى نخب فرعية صغرى تنتظم على شكل عنقودي تلتف بموجبه حول كيان الدولة من خلال أجهزتها السياسية والبيروقراطية الشمدودة، كما بينت في موضوع الخلفيات الاجتماعية والحضارية الموروثة والضاغطة. وكان همي في هذا البحث أن أدرس النخب السياسية والإدارية والثقافية أكثر من النخبة الاقتصادية، لكون الاقتصاد، كحقل وممارسة ٠ في المجتمع السعودي بالذات – في علاقة تبعية كبرى مع المجال السياسي ولا يستطيع أن يكون فضاء مستقلاً أو منافساً. لقد التزمت بالواقعية العلمية حينما أكدت أن السياسة كانت أكثر حضوراً في تشكيل النخب وتوجيه فعلها، على رغم التقاطعات العديدة الحاصلة مع دنيا المال وخفاياه التي قد تكون أحياناً أشد بأساً وتوجيهاً.
فالنفط، عصب الحياة الاقتصادية للمجتمع السعودي ومغذي شرايينه، يظل في نهاية الأمر ملكاً تابعاً للحكومة. إن الريع النفطي ظلت تتحكم فيه (الدولة) وتوزعه على النحو الذي تشاء على رغم التغييرات الحاصلة على الاقتصادي السعودي في السنوات الأخيرة. لكل هذه الأسباب قصدت دراسة تلك النخب الفرعية، واعتبرتها الطريقة الأصوب في الإلمام بالنخب السعودية ككل، فدرست تباعاً النخبة الوزارية والنخبة الاستشارية والنخبة المشايخية والنخبة البيروقراطية والنخبة المثقفة (الانتليجنسيا). ولعل استهلالي بالنخبة الوزارية لم يكن اعتباطاً، بل كان نتيجة لما تحتله هذه النخبة من قيمة رمزية عليا (وجاهة، نفوذ، هيبة) في المجتمع السعودي، أو بموجب ذلك فهي تتربع على عرش كامل النخب الأخرى المتبقية، وتتحكم في تحديد مسارها. غير أنه، وعلى خلاف بقية النخب الفرعية الأخرى والنخبة الوزارية في جل البلدان العربية، تتجه هذه النخب إلى الانغلاق. فهي نخب قليلة الدوران، اتضحت انغلاقيتها جلية حين المقارنة بغيرها من الدول العربية المختارة للمقارنة (الأردن، مصر)، وهذه الانغلاقية تكاد تكون ثابتة قلما تنفتح لتنتدب أعضاء جدداً، وتظل في ذلك على قدرتها محكومة بعدة محددات لا شكلية، حيث تلعب العلاقات القرابية الأسرية، إلى جانب قيم الولاء الشخصي وقيم نفعية أخرى، الدور الحاسم في تعيين الوزراء ذاتهم، وهي أكثر النخب السعودية وفاة للموروث السلبي للمجتمع السعودي في رواسبه الأكثر تحجراً: الإقليمية، والمناطقية، والعائلية، والفئوية. فالعدد الأكبر من الوزراء يتحدرون من المثلث النجدي والمثلث الحجازي. هذا إلى جانب تدني الأداء المتسم بالفردية والزبونية الذي يعمل في ظل غياب قواعد مؤسساتية تعلقن التعيين وتنمي روح السمؤولية والمحاسبة.