٣ - أما الفصل الثاني: فقد سجل البحث في تقسيم السبب باعتبارات مختلفة، وقد بلغت عدة مباحث هذا الفصل تسعة عشر مبحثا، كل واحد منها يمثل تقسيما مستقلا للسبب، وفي طليعتها تقسيم السبب باعتبار ما يطلق عليه اسم السبب، وهو ما سجله المبحث الأول من هذا الفصل، وفي بحثه له ذكر الخلاف في أن السبب ينقسم من هذه الناحية إلى أربعة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي، وسبب له شبهة العلة، أو أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي.
وبين معنى كل واحد، وحكمه، ومثل له، كما ذكر وجهة كل من الرأيين في التقسيم، ومورد القسمة للسبب في هذا التقسيم، ثم ختم البحث فيه بذكر اصطلاح الحنابلة في تقسيم السبب من هذه الناحية.
ثم أخذ هذا الفصل يتابع البحث في المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو تقسيم السبب من حيث المشروعية وعدمها، وفي بحثه له بين أن السبب يقسم من هذه الناحية إلى قسمين: سبب مشروع وسبب ممنوع، وعرف كلا منهما ومثل له، ثم ذكر رأي بعض الباحثين في هذا التقسيم من حيث نفيه له وزعمه أن المجال لا يسمح بإقحام السبب الممنوع، بحجة أننا إنما نبحث تقسيم السبب الشرعي، والسبب الممنوع ليس من الشرعي في شيء، ولكنه تصدى لهم بالمناقشة التي أسفرت عن بطلان قولهم، ورجحان قول من قسم السبب الشرعي من حيث المشروعية وعدمها إلى هذين القسمين.
وفي المبحث الثاني عشر بحث تقسيم السبب المشروع لحكمة من حيث العلم أو الظن بوقوع الحكمة به أو عدم ذلك، وذكر فيه أنه إذا علم أو ظن وقوع الحكمة به، فلا إشكال في المشروعية، أما إذا لم يعلم ولم يظن وقوع الحكمة به، فهو على ضربين: الأول: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به، لعدم قبول المحل لتلك الحكمة، فترتفع المشروعية أصلا.
الثاني: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي، مع قبول المحل لها. وهو موضوع خلاف بين الأصوليين، فالجمهور يقولون ببقاء السبب على مشروعيته، وبعض الأصوليين يمنع من بقاء السبب سببا في هذا النوع.
وبعد أن ساق هذا الفصل أدلة المختلفين وما يرد على كل من المناقشة، أعلن أن تحرير الخلاف غير دقيق، ذلك أن السبب الذي لا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي مع قبول المحل لها، تحته قسمان:
القسم الأول: أن يتوهم وقوع الحكمة به، وهذا لا خلاف في بقاء السبب على مشروعيته.
القسم الثاني: أن يعلم عدم وقوع الحكمة به، وهذا هو محل الخلاف.
ثم مضى هذا الفصل يتابع بحثه في مباحثه حتى وصل المبحث الثامن عشر، وهو تقسيم السبب من حيث زمن ثبوت المسبب إلى ما يتقدم مسببه عليه وإلى ما لا يتقدم مسببه عليه، وفي ثنايا بحثه له بين ما انفرد به ابن عبدالسلام من المخالفة في بحث بعض جزئياته.
ولما استوفى ذلك بحثا، بين أن هذا التقسيم هو منهج القرافي ومن تابعه، وهو مبني على وقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية، وذكر أنه منهج منتقد، إذ لا يجوز تقدم المسبب على سببه، ثم مضى يستدل لذلك، ويجيب عن الأمثلة التي ذكرها القرافي وغيره ممن تابعه في القول بوقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية. وبعد أن خلص له ذلك مضى يبين منهج غير القرافي ومتابعيه في السبب الشرعي من حيث زمن ثبوت مسببه.
٤ - وحيث كانت هناك أمور تشتبه بالسبب، فقد سجل الفصل الثالث البحث في إزالة هذا الاشتباه بعنوان (الفرق بين السبب وما قد يكون بينه وبينه نوع اتصال) وعقد له ثمانية مباحث، خصص لكل مبحث نوعا من الأنواع التي تشتبه بالسبب: بين فيه معناه، ومثل له، واستوعب خصائصه، ثم خلص في كل نوع بمقتضى المقارنة بين خصائصه وخصائص السبب إلى الفرق بينهما.