٥ - ثم جاء الفصل الرابع مسجلا البحث في حكم القياس في الأسباب. وقد مهد لذلك ببيان معناه في اللغة والاصطلاح وبيان معنى القياس في الأسباب، ونراه في المعنى الاصطلاحي لقياس الطرد قد اعترف بأن أسلم تعريف له، ما اختاره ابن الهمام وعزاه أمي ربادشاه إلى الجمهور، وهو "مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي، لا تدرك من نصه بمجرد فهم اللغة".
ثم خاض في بحث حكم جريان القياس في الأسباب وكونه حجة فيها، فذكر أن من العلماء من جوز جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب. فلا يكون حجة فيها، وعرض أدلة المذهبين، وما يرد عليها من مناقشات، وما يمكن الإجابة به عن بعض هذه المناقشات.
وقد انتهى في ذلك إلى نتيجتين هامتين:
الأولى: أن الخلاف بين القائلين بجواز القياس في الأسباب والقائلين بالمنع، لا يترتب عليه ثمرة.
الثانية: أن الراجح هو مذهب المانعين للقياس في الأسباب.
٦ - أما الفصل الخامس، فقد جاء مسجلا البحث فيما يشبه السبب، وعقد ذلك ثلاثة مباحث:
أما المبحث الأول، ففي العلة اسما ومعنى لا حكما. وقد بين فيه ضابطها، ووجه شابهتها للسبب، وأردف ذلك بأمثلة وضح فيها انطباقها على الممثل له ووجه الشبه فيها بالسبب.
ولم يفته أن يسجل على التفتازاني (في التلويح) وهمه في تفسيره لصدر الشريعة (في التنقيح) بأن مرض الموت. والجرح، من قبيل علة العلة، وهما من قبيل العلة اسما ومعنى لا حكما.
كما لم يفته أن يبين أن العلة اسما ومعنى لا حكما، قد توجد غير متشابهة للسبب.
وأما المبحث الثاني، ففي العلة معنى لا اسما ولا حكما، وقد اتبع في توضيحه الخطوات التي اتبعها في المبحث الأول، وبين أن هذا المبحث هو علة العلة، وانطلاقا من هذا، مضى يبحث ثلاث نقاط مهمة:
الأولى: هل تخلو علة العلة عن مشابهتها للسبب:
الثانية: إذا كانت علة العلة لا تخلو عن مشابهتها للسبب، فما النسبة بينها وبين العلة اسما ومعنى لا حكما.
وفي هذا سجل أن بينهما عموما وخصوصا من وجه.
الثالثة: ما جرى من الخلاف في أن علة العلة، علة معنى لا اسما ولا حكما، أو أنها علة اسما ومعنى لا حكما. وكانت النتيجة التي انتهى إليها، ترجيح الرأي المشهور، وهو أن علة العلة، علة معنى لا أسما ولا حكما.
وأما المبحث الثالث، ففي الشرط، وفي بحثه له، ذكر أقسامه، مع بيان حقيقة كل قسم وتوضيحه بالأمثلة، ثم استنتج من ذلك ما كان منها يشبه السبب، ووجه مشابهته له.
٧ - وحيث إن الأسباب إنما، تشرع من أجل ما يترتب عليها من المسببات، فقد جاء الفصل السادس مسجلا البحث فيما فيه ارتباط بين السبب أو المسبب، وعقد لذلك سبعة عشر مبحثا.
وبحث في المبحث الأول مشروعية الأسباب من حيث استلزامها لمشروعية المسببات وعدم ذلك، وبين فيه أن الأسباب إذا تعلق بها أحكام شرعية تكليفية، فإنه لا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها، ثم عرض شبهة من يقول بالاستلزام، وانتهى بعد ذلك إلى رجحان قول من قال بعدم الاستلزام.
كما عرض طريقة الشاطبي ومن تابعه من الباحثين المحدثين في الاستدلال لكون مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات، وناقشها مناقشة موضوعية، إذ أنها طريقة تخالف واقع المسببات، كما أنها تخالف ما قاله الشاطبي نفسه في صدر المسألة.
ثم مضى يتابع بحثه في هذه المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو أن الأسباب الممنوعة، قد يترتب عليها أحكام ضمنية ومصالح تبعية، فسجل في بحثه – فيما سجل – مناقشته للشاطبي في جعله القصد بالسبب المسبب الذي منع لأجله، مصلحة من شأن العاقل أن يقصد إليها، وهي مناقشة مبنية على ما يعضدها من أدلة.