• لما غالى الخوارج في الوعيد نشأت فرقة المرجئة تبالغ في الوعد، وترجئ الحكم على أهل المعاصي إلى يوم الحشر، مع تفويض أمرهم إلى الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم. لكنها وسعت دائرة الإيمان إلى أقصى حدّ لجعلها الإيمان اعتقاداً قلبياً مجرداً، ولا قيود عملية على صاحبه من أمر ونهي، حتى أدى بها ذلك إلى القول بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهذا مما يؤخذ على المرجئة.
والناظر في قول المرجئة في معنى الإيمان يعلم أنه مخالف لما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال السلف من أن الإيمان مرتبط بالعمل، والعمل مرتبط بالإيمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وبهذا يظل المعيار الحقيقي للحكم على أي حالة هو معيار الصدر الأول وواقع السلف الصالح قبل اختلاف الأمة في الفترة التي تلت الفتنة، وهو أن حقيقة الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل مثلما تتركب حقيقة الإنسان من الجسد والروح، وأن ذلك مجمع عليه بين السلف، تتواتر على تأييده النصوص الشرعية، وتتضافر عليه الأدلة العقلية والنقلية، ولم يخالف فيه إلا مبتدع تنكب طريق الحق، وأعرض عن دلالات نصوص الوحي، وشواهد الفطرة والعقل إلى ما خاضت فيه أوهام المجادلين والمتكلمين.
• ومن بدع الشيعة العقدية شتم الصحابة - - رضي الله عنهم - وسبهم، بل وتكفيرهم الذي أصبح من لوازم أصول مذهبهم. وهم بذلك يخالفون محكم القرآن والسنة النبوية في تزكية الصحابة وبيان عدالتهم وفضلهم وشرفهم، وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة على ذلك، وأنه من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة.
ومن بدعهم قولهم بالبداء تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، والبداء يعني: ظهور أمر لله سبحانه وتعالى بعد أن كان جاهلاً به اقتضى أن يغير الله في قدره. ومن بدعهم الغلو في الأئمة الذين جعلوهم فوق الأنبياء والرسل، ويعتقدون أنهم معصومون، ويعلمون أعمال الناس وآجالهم، ويعلمون الغيب. ومن بدعهم قولهم بمعتقد الجهمية في تعطيل صفات الله، وأخذهم بمذهب القدرية في أفعال العباد.
وكل هذا مخالف لصريح العقيدة التي كان يدين بها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
• من الآثار السلبية المترتبة على الخلافات الكلامية: أن فتحت المناظرات بين الفرق المختلفة في إطار ما يسمى: علم الكلام باباً من أبواب الفتن، وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي، كما أنها ضخمت الجانب النظري التجريدي على حساب الجانب العلمي الذي أكد عليه الصحابة الذين تفهموا روح الرسالة وفقهوا الإسلام، فانشرحت صدورهم للعمل والوقوف عند النصوص المتشابهة وآيات وأحاديث الصفات دون تأويل، فحافظوا بذلك على صفاء العقيدة وإشراقها، في حين أضاع أرباب الكلام بمجادلاتهم ونقاشاتهم البيزنطية التي ترمي إلى البحث والتعليل فيما يتجاوز نطاق العقل وضوح العقيدة وصفاء الفكرة. ولم تثمر جهودهم غير الانقسام والخلاف والتمزق في الكيان الإسلامي بسبب هذا العلم غير النافع الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة السلف.
• لقد كان من آثار الفتنة: معرفة أحكام البغاة. فبناء على الاختلاف بين أحكام دار الحرب ودار الإسلام تمكن عليّ - رضي الله عنه - بغزير علمه وسعة فقهه، وهو أقضى الصحابة، أن يضع قواعد وأحكاماً هي في الحقيقة ضوابط شرعية في قتال أهل البغي، ثم سار أهل السنة من أئمة العلم والفقهاء على سيرته في قتال البغاة، واستنبطوا من هديه الأحكام والقواعد الفقهية في هذا الشأن.