للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن حينئذ على ما هو الآن عليه فبنى به مولانا أبو الحسن رحمة الله عليه القلهرّة «١٢» العظمى بأعلى الحصن وكانت قبل ذلك برجا صغيرا تهدم بأحجار المجانيق، فبناها مكانه «١٣» ، وبنى به دار الصناعة، ولم يكن به دار صنعة، وبنى السور الأعظم المحيط بالتّربة الحمراء الآخذ من دار الصنعة إلى القرمدة ثم جدد مولانا أمير المومنين أبو عنان، أيده الله عهد تحصينه وتحسينه وزاد بناء السور بطرف الفتح، وهو أعظم أسواره غناء وأعمها نفعا وبعث إليه العدد الوافرة والأقوات والمرافق العامة وعامل الله تعالى فيه حسن النية وصدق الاخلاص.

ولما كان في الأشهر الأخيرة من عام ستة وخمسين «١٤» وقع بجبل الفتح ما ظهر فيه أثر يقين مولانا أيده الله وثمرة توكّله في أموره على الله، وبان مصداق ما اطّرد له من السعادة الكافية، وذلك أن عامل الجبل، الخائن الذي ختم له بالشقاء، عيسى بن الحسن بن أبي «١٥» منديل نزع يده المغلولة على الطاعة، وفارق عصمة الجماعة، وأظهر النفاق وجمح في الغدران والشقاق، وتعاطى ما ليس من رجاله، وعمى عن مبدأ حاله السيئ ومآله، وتوهّم الناس أن ذلك مبدأ فتنة تنفق على إطفائها كرائم الأموال، ويستعد لاتقائها بالفرسان والرجال، فحكمت سعادة مولانا أيده الله ببطلان هذا التوهم، وقضى صدق يقينه بانخراق العادة في هذه الفتنة، فلم تكن إلا أيام يسيرة، وراجع أهل الجبل بصائرهم، وثاروا على الثائر، وخالفوا الشقيّ المخالف، وأقاموا بالواجب من الطاعة، وقبضوا عليه وعلى ولده المساعد له في النفاق، وأتي بهما مصفّدين إلى الحضرة العلية فنفذ فيهما حكم الله في المحاربين وأراح الله من شرّهما.

ولما خمدت نار الفتنة أظهر مولانا أيده الله من العناية ببلاد الاندلس ما لم يكن في حساب أهلها وبعث إلى جبل الفتح ولده الاسعد المبارك الأرشد أبا بكر المدعوّ من السمات

<<  <  ج: ص:  >  >>