وتطيّب بريّا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملّق، عند التشتيت بأسبابك والتعلّق، منكسرة الطرف، حذرا بهرجها من عدم الصرف: يا غياث الأمة، وغمام الرحمة، ارحم غربتي وانقطاعي، وتغمد بطولك قصر باعي، وقوّ على هيبتك خور طباعي، فكم جزت من لج مهول، وحبت من حزون وسهول، وقابلع بالقبول نيابتي، وعجّل بالرضى إجابتي، ومعلوم من كمال تلك الشّيم، وسجاياتيك الديم، أن لا يخيب قصد من حط بفنائها، ولا يظمأ وارد أكبّ على إنائها.
«اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملكت أمته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمته المجبولة على حبّه المفطورة، وشوّقتني إلى معهاده المبرورة، ومشاهده المزورة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغبتي بالتماس مالديه، فلا تقطع منه أسبابي، ولا تحرمني من حبّة ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي.
«هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره، وشطّ مزاره، ولم يجعل بيده اختياره. فإن لم تكن «٣» للقبول أهلا فأنت للأغضاء والسماح أهل، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل، وإن كان الحب يتوارث كما أخبرت، والعروق تدس حسبما إليه أشرت، فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية، ووسيلة أثيرة حفية، فإن لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نيّة، فلا تنسي ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك، على أيدي خيار أمتك، فإنّما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك، نعوذ بوجه ربّك من إغفالك، ونستنتشق من ريح عنايتك نفحة، ونرتقب من محيّا قبولك لمحة، ندافع عدوّا طغى وبغى، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى، فمواقف التمحيص قد أعيتض من كتب وورّخ، والبحر قد أصمت من استصرخ، والطاغية في العدوان مستبصر، والعدو ملحق والولي مقصر، ويجاهك ندفع ما لا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيف، فلا تفردنا ولا تهملنا، وناد ربّك فينا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا
(البقرة: ٢٧٦) ، وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم، وربك يقول لك وقوله الحق وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
(الأنفال: ٢٣) والصلاة والسلام عليك يا خير مضن طاف وسعى، وأجاب داعيا إذا دعا، وصلى الله على جميع أحزابك وآلك، صلاة تليق بجلالك، وتحق لكمالك، وعلى ضجيعيك وصديقيك، وحبيبتك ورفيقيك، وخليفتك في أمتك، وفاروقك المستخلف بعده على جلتك، وصهرك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك، وابن عمك سيفك المسلول على حلتك، بدر سمائك ووالد أهلتك، والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، وكتب بحضرة جزيرة الأندلس غرناطة، صانها الله تعالى ووقاها، ودفع عنها ببركتك كيد عداها» انتهت الرسالة.