يقطر فتنقط به الحروف وتفصل الأسطر، وتوهّم المثول بمثواك المقدس لا يمر بالخاطر سواه ولا يخطر، عن قلب بالبعد عنك قريح، وجفن بالبكاء جريح، وتأوّه عن تبريح، كلّما هبّ من أرضك نسيم ريح، وانكسار ليس له إلا جبرك، واغتراب لا يؤنس فيه إلا قربك، وإن يقض فقبرك، وكيف لا يسلم في مثلها الأسى، ويوحش الصباح والمسا، ويرجف جبل الصبر بعدما رسا، لولا لعلّ وعسى، فقد سارت الركبان إليك ولم يقض مسير، وحومت الأسراب عليك والجناح كسير، ووعدت الآمال فأخلفت، وحلفت العزائم فلم تف بما حلفت، ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشرف الأثيل، إلّا على التمثيل، ولا من المعالم الملتمسة التنوير، إلّا على التصوير، مهبط وحي الله تعالى ومتنزل أسمائه، ومتردّد ملائكة سمائه، ومدافن أوليائه، وملاحد أصحاب خيرة أنبيائه، رزقني الله تعالى الرضى بقضائه، والصّبر على جاحم البعد ورمضائه- من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الإسلام بالأندلس قاصية سيلك، ومسحبة رجلك يا رسول الله وخيلك، أنأى مطارح دعوتك ومساحب ذيلك، حيث مصافّ الجهاد في سبيل الله وسبيلك قد ظللها القتام، وشهبان الأسنّة أطلعها منه الإعتام، وأسواق بيع النفوس من الله تعالى قد تعدد بها الأيامى والأيتام، حيث الجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور، والشهداء تحفّ بها الحور، والأمم الغريبة قد قطعها عن المدد البحور، حيث المباسم المفترّة، تجلوها المصارع البرّة، فتحييها بالعراء ثغور الأزاهر، وتندبها صوادح الأدواح برنّات تلك المزاهر، وتحلّي السحاب أشلاءها المعطّلة من ظلّها بالجواهر، وحيث الإسلام من عدوّه المكابد بمنزلة قطرة من عارض غمام، وحصاة من ثبير أو شمام، وقد سدت الطريق، وأسلم الفراق الفريق، وأغصّ الرّيق، ويئس من الساحل الغريق، إلا أن الإسلام بهذه الجهة المتمسكة بحبل الله تعالى وحبلك، المهتدية بأدلّة سبلك، سالم والحمد لله تعالى من الانصداع، محروس فيه وجود الطوائف المضلّة، وإلا ما يخص الكفر من هذه العلّة، والاستظهار على جمع الكثرة من جموعه بجمع القلة.
«ولهذه الأيام يا رسول الله أقام الله تعالى أوده برّا بوجهك الوجيه ورعيا، وإنجازا لوعدك وهو الذي لا يحلف وعدا ولا يخيب سعيا، وفتح لنا فتوحا أشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب، وبشّرتنا منه تعالى بغفر التقصير ورفع التثريب، ونصرنا وله المنّة على عبدة الصليب، وجعل لألفنا الرّديني ولا منا السّردي حكم التغليب، وإذا كانت الموالي التي طوّقت الأعناق مننها، وقررت العوائد الحسان سيرها وسننها، تبادر إليها نوّابها الصرحاء وخدامها النصحاء بالبشائر، والمسرات التي تشاع في العشائر، وتجلو لديها نتائج أيديها، وغايات مباديها، وتتاحفها وتهاديها، بمجاني جناتها وأزاهر غواديها، وتطرف محاضرها بطرف بواديها، فبابها يا رسول الله أولى بذلك وأحقّ، ولك الحق الحق، والحرّ منّا عبدك المسترق، حسبما سجّله الرق، وفي رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع، ومثواك المجمع، وملوك