طرق منها حماه، ورماه الفتح الأول بما رماه، وعلم أن لا تتصل أيدي المسلمين بإخوانهم إلّا من تلقائها، وأنّه لا يعدم المكروه مع بقائها، فأجلب عليها برجله وخيله، وسد أفق البحر بأساطيله، ومراكب أباطيله، بقطع ليله، وتداعى المسلمون بالعدوتين إلى استنقاذها من لهواته، أو إمساكها من دون مهواته، فعجز الحول، ووقع بملكه إياها القول، واحتازها قهرا وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهرا، وأطرق الإسلام بعدها إطراق الواجم، واسودّت الوجوه لخبرها الهاجم، وبكتها حتى دموع الغيث الساجم، وانقطع المدد إلا من رحمة من ينفّس الكروب، ويغري بالإدالة الشروق والغروب. وبما شكنا بشبا الله تعالى نحوها، وأغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجم السماء برها وبحرها، ونازلناها نذيقها شديد النزال، ونجحّها بصدق الوعيد في سبيل الاعتزال، رأينا بأوا لا يظاهر إلا بالله تعالي ولا يطال، وممنّعة يتحاماها الأبطال، وجنابا روّضة الغيث الهطال، أما أسواقها فهي التي أخذت النجد والغور، واستعدّت بجدال الجلاد عن البلاد فارتكبت الدّور «٢١» ، تحوز بحرا من العمارة ثانيا، وتشكّك أن يكون الإنس لها بانيا، وأمّا أبراجها فصفوف وصفوف، تزين صفحات المسايف منها أنوف، وآذان لها من موامغ الصخر شنوف، وأما خندقها فصخر مجلوب، وسور مقلوب، فصدقها المسلمون القتال بحسب محلّها من نفوسهم، واقتران اغتصابها ببوسهم، وأفول شموسهم، فرشقوها من النبال بظلالة تحجب الشمس فلا يشرق سناها، وعرجوا في المراقي البعيدة يفرعون مبناها، ونفوسها أنقابا، وحصونها عقابا، ودخلوا مدينة إلبنة «٢٢» بنتها غلابا، وأحسبوا السيوف استلالا والأيدي اكتسابا «٢٣» ، واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجبن، البالغة المنن، فأخذهم الهول المتفاقم، وجدّلوا كأنّهم الأراقم، لم تفلت منهم عين تطرف، ولا لسان يلبي من يستطيع الخبر أو يستشرف.
«ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا على سورها، وتجاسروا على اقتحام أودية الفناء من فوق جسورها، وأدنوا إليها بالضّروب من حيل الحروب، بروجا مشيدة، ومجانيق توثق حبالها منها نشيدة، وخفقت بنصر الله تعالى عذبات الأعلام، وأهدت الملائكة مدد السلام، فخذل الله تعالى كفّارها، وأكهم «٢٤» شفارها، وقلّم بيد قدرته أظفارها، فالتمسوا الأمان للخروج، ونزلوا على مراقي العروج، إلى الأباطح والمروج، من سمائها ذات البروج، فكان بروزهم إلى العراء من الأرض، تذكرة بيون العرض، وقد جلل المقاتلة الصّغار،