فكان الدمع يغرق الآماق، والوجد يستأصل الأرماق، وارتفعت الرغبات، وعلت السيئات، وجيء بأسرى المسلمين يرسفون في القيود الثقال، وينسلون من أحداب الاعتقال، ففكت عن سوقهم أساود الحديد، وعن أعناقهم فلكات البأس الشّديد، وظلّلوا بجناح اللطف العريض المديد، وترتبت في المقاعد الحامية، وأزهرت بذكر الله تعالى المآذن السامية، وعادت المدينة لأحسن أحوالها، وسكنت من بعد أهوالها، وعادت الجالية إلى أموالها، ورجع إلى القطر شبابه، وردّ على دار الإسلام بابه، واتصلت بأهل لا إله إلّا الله أسبابه، فهي اليوم في بلاد الإسلام قلاده النحر، وحاضرة البرّ والبحر، أبقى الله تعالى عليها وعلى ما وراءها من بيوت أمتك، ودائع الله في ذمتك، بكلمة دينك الصالحة الباقية؛ وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول، وهجّيرا الشروق والأفول، والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد، ما امتدّ بالأجل الأمد، والمستعان الفرد الصمد.
«ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك، وبلّغ وسيلتي إليك، بلغ من هذا القطر المرتدي بجاهك الذي لا يذل من ادّرعه، ولا يضل من اهتدى بالسبيل الذي شرعه، إلى أن لا طفنضا ملك الروم بأربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها، ورفع التماثيل بيوت الله تعالى ونصبها، فانجاب عنها بنورك الحلك، ودار بإدالتها إلى دعوتك الفلك، وعاد إلى مكاتبها القرآن الذي نزل به على قلبك الملك، فوجبت مطالعة مقرّك النبويّ بأحوال هذه الأمة المكفولة في حجرك، المفضلة بإدارة تجرك، المهتدية بأنوار فجرك، وهل هو إلا ثمرات سعيك، ونتائج رعيك، وبركة حبّك، ورضاك الكفيل برضي ربّك، وغمام رعدك، وإنجاز وعدك، وشعاع من نور سعدك، وبذر يجنى ريعه من بعدك، ونصر رايتك، وبرهان آيتك، وأثر حمايتك ورعايتك.
«واستنبت هذه الرسالة مائحة بحر الندى الممنوح ومفاتحة باب الهدى بفتح الفتوح، وفارعة المظاهر والصروح، وملقية الرحل بمتنزل الملائكة والروح، لتمدّ إلى قبولك يد استمناح، وتطير إليك من الشوق الحثيث بجناح، ثم تقف موقف الانكسار، وإن تجرها آمنا من