الخسار، وتقدم بأنس القربة، وتحجم بوحشة الغربة، وتتأخّر بالهيبة، وتجهش لطول الغيبة، وتقول: ارحم بعد داري، وضعف اقتداري، وانتزاح أوطاني، وخلوّ أعطاني، وقلة زادي، وفراغ مزادي، وتقبّل وسيلة اعترافي، وتغمّد هفوة اقترافي، وعجّل بالرضى انصراف متحملي لانصرافي، فكم جبت من بحر زاخر، وقفر بالركاب ساخر، وحاش لله تعالى أن يخيب قاصدك، أو تتخاني مقاصدك، أو تطردني موائدك، أن تضيقض عني عوائدك، ثم تمدّ مقتضية مزيد رحمتك، مستدعية دعاء من حضر من أمتّك، وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النواقيس التي كانت بهذه البلاد المفتتحة تعيق الإقامة والأذان، وتسمع الأسماع الضالة والآذان، ممّا قبل الحركة، وسالم المعركة، ومكّن من نقله الأيدي المشتركة، واستحق بالقدوم عليك والإسلام بين يديك السابقة في الأزل البركة، وما سواها فكانت جبالا عجز عن نقلها الهتدام، فنسخ وجودها الإعدام، وهي يا رسول الله جنى من جنانك، ورطب من أفنانك، وأثر ظهر علينا من مسحة حنانك.
«هذه هي الحال والانتحال، والعائق أن تشدّ إليك الرحال، ويعمل الترحال، إلى أن نلقاك في عرصات القيامة شفيعا، ونحلّ بجاهك إن شاء الله تعالى محلّا رفيعا، ونقدم في زمرة الشهداء الدامية كلومهم من أجلك، الناهلة غللهم في سجلك، ونبتهل إلى الله تعالى الذي أطلعك في سماء الهداية سراجا، وأعلى لك في السبع الطباق معراجا، وأم الأنبياء منك بالنبي الخاتم، وقفى على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم، أن لا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك، ولا يسدّ في وجوهها أبوابك، ويوقفها لاتباع هذاك، ويثبت أقدامها على جهاد عداك، وكيف تعدم ترفيها، أو تخشى بخسا وأنت موفّيها، أو يعذبها الله تعالى وأنت فيها؟
وصلاة الله وسلامه تحط بفنائك رحال طيبها، وتهدر في ناديك شقائق خطيبها، ما أذكر الصباح الطّلق هداك، والغمام السّكب نداك، وما حنّ مشتاق إلى لثم ضريحك، وبليت نسمات الأسحار عمّا استرقت من ريحك، وكتب في كذا» انتهت الرسالة، وفيها ما لا خفاء به من براعة لسان الدين، رحمه الله تعالى وقدّس روحه الطاهرة، آمين.
ومن المهم أن نعرف أن رسالة السلطان أبي عنان وقصيدته كذلك تركت صدى كبيرا في المشرق الأمر الذي يفسره أن صاحب كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تحدث عن كتاب يحمل اسم الدرة السنية والرسالة النبوية، وقال عنها: أنها رسالة لأبي عنان فارس ملك المغرب ...