الله بن أبي مدين. فقال الواجب، وسلك في أموره على السنن اللاحب.
ولما حصل مفتاح الزاوية بيده، وناسبت أحوالها الحسنة حسن معتقده، واستحق ذلك الطوق جيّد ولايته، وكانت تلك الخطة بداية في تقديمه، ونهاية رعايته، رأى حفظه الله أن يشهر أحوال تلك الزاوية في الآفاق، ويشيع في المعمور عمارتها الجميلة الوفاق. ليقدم عليها الوفود، وتكرم بمعاهدها العهود. وتحطّ بها الرحال، وتستقدم ببركتها الآمال، وتستكفى بحماها الخطوب، وتستجلى بروحها الكروب. وتتيّسر للضعفاء الأقوات، وتصفو من كدرها الأوقات.
فاستدعى أهل فاس إلى الحضور بجامع القرويين في يوم أخذت به السعود مأخذها، واسترجعت الأفراح من يد الزمان أخائذها. واسترجعت في ميزان الابتهاج تباشيره، واستوضحت في وجه السرور أساريره. وطاف بكعبة الآمال طواف القدوم، وأبدى من محاسنه ما هو أبدع من الوشي المرقوم.
فجاء الناس زرافات وأفذاذا، وأغذوا إلى إجابة داعيهم اغذاذا، ولم تتسلل البشرى عنهم لوذا بل أنفذ لهم حكم السعادة إنفاذا وأسرعوا إلى الجامع الأعظم إسراع الحجج ليلا بين العلمين، وازدحموا بصحنه ازدحام الركائب ليلة النفر بالمأزمين. فما راعهم إلّا بروز الشيخ الصالح الولي أبي يعقوب يوسف عمر الإمام نفع الله به فوقف للدعاء مليا. وأفصح بالثناء على مولانا أيّده الله بديا.
ولم ينشب الناس أن أمنوا على دعائه، وأثنوا أعظم من ثنائه، وحمدوا الله ملء أرضه وسمائه. وقد كان شيوخ الزوايا مجتمعين، والفقراء السفّارة للأوامر مستمعين. وبيد قيّم الزاوية مفتاحها الضامن للفتوح، المبشّر بالخير الممنوح الذي فعله حميد، وكل بصر برؤية حديده حديد.
فلما طلع حاجب الشمس، وتعرف الأفق بالفصل منها والجنس. خرج خدمة الزاوية مع الفقراء، وأمامهم صدور الشرفاء، وأعلام الفقهاء، وغيرهم من الأعيان الحسباء، ومن انخرط في سلك الدهماء. رافعين أصواتهم بالأذكار والدعاء، مفعمة أنوفهم بالعنبر والورد والكباء. مرسلة عليهم مزن القوارير بغيوث ماء الورد مشوبا بالعبير، مفضوضة لهم نوافح المسك الأذفر. مضمخة ذيول نسيمهم بشذاه الأذكى وعرفه الأعطر.
وبرزت لذلك المشهد الكريم ربّات الحجال، والمخدرات المحمية ببيض النصال. وامتأت الطرق بالشبّان والكهول والشيب، داعين السميع المجيب، مظهرين للمحبّة التي استجليت ضرائبها المنزهة عن الضريب كالضريب. مخلصين لمولانا أمير المؤمنين المنصور الذي جاء