ثم خرجوا على باب المحروق فغصّت الأباطح بأصناف الخلائق. وانتشروا بتلك الأرجاء انتشار النواسم في الحدائق، وتجاذبوا أهذاب المسرّات الواضحة الحقائق، والابتهاج الذي أبان لهم أوضح الطرائق، إلى أن أفضوا إلى الزاوية النّيرة الطالعة الأنوار، وقدموا منها على محل الجود والإيثار، والفضائل التي تحلّت بها عواطل الاعصار، واشتهر ذكرها في الأقطار والأمصار.
ودخلوا بابها الذي فتح للسعود أبوابا، وحلّوا بجنابها الذي فسح للخيرات جنابا، وعجبوا من صنائعها، وقيّدوا أبصارهم ببدائعها. وأطالوا بها الأذكار، واستنزلوا بأسرار قلوبهم الأنوار.
وكان فيمن حضر ذلك الحفل الشيخ الشاعر الشهير أبو إسحاق الحسناوي التونسي، فأنشد قصيدة من نظمه في مدح مولانا الخليفة الإمام، وذكر محاسن تلك الزاوية التي هي بكر الأيام. فأصاخت إليه الأسماع، وكادت تنطق بأمثال مدامحه البقاع.
وعلى أثر ذلك وصلت طيافير الطعام الملوكية، عليها المناديل الساطعة البياض، والسباني المرموقة كأنّها أزهار الرياض. من كل موشى الظاهر والباطن، ثقيل إلّا أنه متلقى بالقبول في كل المواطن، مستدير كالشمس لكن حرارتها في أوانه إذا سار لم يبرح عن سمت الرءوس يرصد أهل زمانه، كبير الساحة، تجول فيه الراحة بالراحة. مرتصّة في دواخله صفوف صحافه، لا يتحلّل فرجها الشيطان الذي حكمت التسمية بانصرافه. آت بما تشتهيه الأنفس التي حظيت باستعاده وإسعافه، معروفة حروفه بالإشباع والاتباع، آمنة أحاديثه المسلسلة من الانقطاع. متحرّك خفض على الجوار، فروى لحمه عن البزار. فأكل الناس هنيئا مريا، وأفاضوا في الدعاء الذي أطلع صبح القبول جليا، وانفضوا عن مشهد تهادت البلاد أخباره، واجتلت في صفحات الأيام آثاره. ووقت صفت من الشوائب موارده، واستحكمت بأيدي السعود معاقده.
وحين أبدى وجوهه باهرة الجمال، وصدع بأنوار البشرى الطالعة نجومها في سماء الإقبال. واستتبت أمور الزاوية أحسن استتباب، وانسكبت سحائب الجود بذراها أعظم انكساب، واتبعت قلم الحساب بكل عطاء حساب.
جزى الله مولانا على ذلكم جزاء من آتبع الحسنة بأختها. وتحلّى من الفضائل بأبدع نعتها، وجلى أحكام الفخار لوقتها، ولازال كماله منزها عن عوج النقائض وأختها.