وقد قدّم إلينا في ثنايا الرحلة معلومات تنفعنا على صعيد التعامل الدولي فقد ذكر أن تطبيق الحكومة، في قالقوط، للقاعدة الفقهية التي تقضي بإرجاع إرث الأجانب الهلكى إلى أهلهم وورثتهم أينما كانوا، أقول إنّ تطبيق ذلك هو الذي كان يساعد المستثمرين على اختيار قالقوط مركزا تجاريا لهم.
كما أفادنا فائدة تاريخية لم نقرأ عنها في التأليف التاريخية الأخرى مثل جامع التواريخ لرشيد الدّين، عن مأساة اجتياح بغداد من لدن المغول ... لقد قال إن عدد الذين قضوا في تلك الفتنة من العلماء فقط أربعة وعشرون ألف عالم! وكلّنا يعرف عن عشيرة آل مهنّا العربية بديار الشام وما قامت به من أدوار وما كان لها من صدى سواء على صعيد العلاقات العربية العربية أو العلاقات العربية البيزنطية، مهنا الأول المتوفى حوالي ٦٦٠- ١٢٦٢، ومهنا بن عيسى (الثاني) المتوفى ٧٣٥- ١٣٣٥ والملقب بسلطان العرب، هذا الذي أرسل ابنه موسى إلى ملك التتر في العراق مع قراسنقر وجماعته قبل أن يلتحق هو بالمنطقة التترية. تواريخ مثيرة لهذه العشيرة التي كانت معلومات ابن بطوطة عنها محلّ تزكية من لدن الذين كتبوا عن عشائر الشام وصحّحوا ما قاله ابن بطوطة عن آل حيار بن مهنّا بن عيسى «٢» قبل أن تنكسر شوكتهم بموت محمد بن حيار.
وقد قدم لنا ابن بطوطة معلومات جدّ قيّمة عن أشراف الحجاز على عهده بمن فيهم الحسنيون أصحاب مكة بما عرف عنهم من احتكاكات بدولة المماليك، وهكذا قرأنا عن رميثه بن أبي نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة.
كما عرفنا عن الحسينيين أصحاب المدينة بما عرف عنهم من تنافس ساخن، وهكذا سمعنا عن كبيش بن منصور بن جمّاز بن شيحة بن هاشم «٣» .
ومن الطريف أن نعرف عن شريف حسيني، حفيد لجماز يحمل اسم قاسم يلتحق بغرناطة ويشارك في معركة ويستشهد على مقربة من الجزيرة الخضراء.
وابن بطوطة هو الذي ساعدنا على معرفة الظروف التي جعلته يتوجس خيفة من حركة القراصنة وهو في طريقه إلى المغرب عبر جزيرة سردانية، فقد كانت الاتفاقية المغربية مع ممالك جنوب أوربا أتت على نهايتها فلا غرو إذن أن يحتاط الرّحالة لنفسه «٤» .