للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجمعت المصادر الإيطالية وهي تتحدث عن تاريخ جنوة، أجمعت على النقل عن ابن بطوطة عند ما تحدث عن افتداء السلطان أبي عنان لمدينة طرابلس بتلك المبالغ السخية من العملة الذهبية حتى لا تبقى طرابلس بيد الجنويين! لقد تحدث ابن فضل الله العمري في السفر السابع والعشرين عن احتلالها من لدن جنوة، ولكنه ترك المدينة أسيرة. ولم يكن هناك غير ابن بطوطة الذي تحدث عن تحريرها من لدن السلطان أبي عنان وهي المبادرة التي سجلتها الرحلة، وأكدتها تهاني غرناطة لفاس «٥» ثم أتت المصادر الإيطالية وغيرها لتعتمد تلك المعلومات. وقد أفادنا ابن بطوطة عن اهتمام المشرق بأخبار المغرب وأنه أي المشرق ما انفك يتتبع الأخبار الواردة عليه من بلادنا وخاصة منها ما يتصل بحركات الجهاد في الأندلس، ومن هنا علم ابن بطوطة لما وصل إلى بغداد، في شوال عام ثمانية وأربعين، علم من بعض المغاربة الذين كانوا هناك بأخبار كارثة وقعة طريف واستيلاء الروم على الجزيرة الخضراء على نحو ما كان وصلنا بالمغرب عن سقوط بغداد كما يذكره ابن عبد الملك المراكشي ...

وقد عاش ابن بطوطة مرحلة دقيقة جدا من تاريخ المغرب الكبير أدّى عنها بعباراته ما سمحت به ظروفه، وبحكمة ودبلوماسية فائقة عند ما تحدث عن مرورة بتونس فسلّم على السلطان أبي الحسن واجتمع بمجلس علمه ورجال مشورته، ثم لم يلبث أن أصبح ببلاط أبي عنان المناهض لوالده، ومع كل ذلك فإنه لم يسمح لنفسه أن يتدخل فيما لا يعنيه، ويتحدث بما لا يرضي عما يجري بين الوالد وولده بالرغم من أنّه صحب ركب أبي عنان الذي كان يحمل شلو أبيه.

وابن بطوطة هو الذي أحاطنا علما بما كان يضمه بلاط عهد السلطان أبي عنان من وفود ترد من خارج المغرب، مثلا ابن أمير الموصل وديار بكر الشريف علاء الدين الذي كان- أثناء تحرير رحلة ابن بطوطة- بعاصمة فاس:" مستقر الغرباء ومأوى الخائفين" على حد تعبير ابن جزي!.

وابن بطوطة، ولو أنه لم يصرح بذلك- حفظا للأسرار على ما جرت عليه الأعراف بين الدول- ... هو الذي وجهه السلطان أبو عنان، على ما يبدو، في مهمة إلى غرناطة في ظروف كانت فيه العلاقات بين أبي عنان وبين والده على ما لا يرضى «٦» . وبهذا نفسر المرض الدبلوماسي لملك غرناطة وبهذه المناسبة عرفنا وضع (رندة) التي كانت عاصمة للقسم الأندلسي التابع لدولة بني مرين. وابن بطوطة هو الذي راح مبعوثا أيضا في مهمة للسلطان أبي عنان

<<  <  ج: ص:  >  >>