إلى بلاد السودان على ما يظهر حيث تم اتصاله المباشر بعدد من أقطاب وأمراء المنطقة، وحيث قضى وقتا هناك قبل أن يصله مبعوث خاص من العاهل المغربي يطلب إليه أن يعود فورا إلى حاضرة فاس.
ولا ننسى أن ابن بطوطة هو الذي ذكرنا- وهو يعيش في مالديف- بأنه ترك في المغرب عددا من الأسرى من الروم. وكان الوقت يصادف فعلا سلسلة من الاحتكاكات التي تجري بين المغرب وقشتالة. وقد أعطانا الرحالة المغربي وصفا للطريقة التي كانت الحكومة المغربية تستعملها لضبط الأسرى ومنعهم من الفرار إلى أن يتم افتداؤهم بمن يوجد من المغاربة في قبضة حكومات الأطراف الأخرى.
وقد حدث أن بعض الدول التي كان ابن بطوطة يتحدث عنها اختفت من مسرح السياسة وأتى بعدها قوم آخرون فأحرقوا كتب الأولين ودمروا آثارهم فلم يعرف عنهم شيء إلا ما قرأناه من خلال معلومات ابن بطوطة التي" فلتت" للخارج فاحتفظت بحياتها وبجدّتها.
ونذكر بهذه المناسبة ما حكاه عن بني نبهان في عمان كمثل شاهد للعيان.
كثيرة هي اللقطات التي تفيد المهتمّين بالتاريخ الدّولي للعالم الاسلامي ... وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الرحالة لم يكن مجرد سائح يمشي في مناكب الأرض، ولكنه كان يهدف إلى تعريف فريق بفريق ... وكأنني به يكتب تقريرا لملوك المغرب عما رآه وما شاهده عبر أطراف الدنيا ليأخذوا منه ما يرونه صالحا لمسيرتهم إذا كانوا يريدون.
من حسن حظنا أن ابن بطوطة كان يعمل بنصيحة القاضي أبي بكر بن العربي سفير المغرب لدى العراق عام ٤٨٩/١٠٩٧ الذي قال: في تأليفه (كتاب الرحلة) عند ما دخل إلى بغداد وتعرّف على الخليفة بها: «نعمت المعرفة التعرّف بالسلطان والتشرف به عند التغرّب من الأوطان ونعم العون على العلم الرياسة بالأمن والاستيطان «٧» .
فبفضل العمل بتلك النصيحة أمكننا التعرف على الكثير من القادة المتنفذين آنذاك ...