التي أبرأت الدين عند اعتلاله، وأغمدت سيف العدوان عند انسلاله، وأصلحت الأيام بعد فسادها، ونفّقت سوق العلم بعد كسادها وأوضحت طرق البر عند إنهاجها، وسكّنت أقطار الأرض عند ارتجاجها وأحيت سنن المكارم بعد مماتها، وأماتت رسوم المظالم بعد حياتها وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها، ونقضت أحكام البغى عند استقلالها، وشادت مباني الحق على عمد التقوى واستمسكت من التوكل على الله بالسبب الأقوى، فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء، والمجد الذي جز أذياله على مجرّة السماء، والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه، والعدل الذي مد على أهل الإيمان مديد أطنابه، والجود الذي قطّر سحابه اللجين والنضار، والبأس الذي فيّض غمامه الدم الموّار، والنصر الذي نفض كتائبه الأجل، والتأييد الذي بعض غنائمه الدول، والبطش الذي سبق سيفه العذل، والأناة التي لا يملّ عندها الأمل، والحزم الذي يسد على الأعداء وجوه المسارب، والعزم الذي يفلّ جموعها قبل قراع الكتائب، والحلم الذي يجني العفو من ثمر الذنوب، والرفق الذي أجمع على محبّته بنات القلوب، والعلم الذي يجلو نوره دياجي المشكلات، والعمل المقيّد بالاخلاص والأعمال بالنيات. ولما كانت حضرته العلية مطمح الآمال، ومسرح همم الرجال، ومحط رحال الفضائل، ومثابة أمن الخائف ومنية السائل، توخّى الزمان خدمتها ببدائع تحفه، وروائع طرفه، فانثال عليها العلماء انثيال جودها على الصفاة، وتسابق إليها الأدباء تسابق عزماتها إلى العداة، وحج العارفون، حرمها الشريف، وقصد السائحون، استطلاع معناها المنيف، ولجأ الخائفون إلى الامتناع بعز جنابها، واستجارت الملوك بخدمة أبوابها، فهي القطب الذي عليه مدار العالم، وفي القطع بتفضيلها تساوت بديهة عقل الجاهل والعالم، وعن ماثرها الفائقة يسند صحاح الآثار كلّ مسلم، وبإكمال محاسنها الرائقة يفصح كلّ معلم. وكان ممن وفد على بابها السامي «٦» ، وتعدّى أو شال البلاد إلى بحرها الطامي، الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق جوّاب الأرض، ومخترق الاقاليم بالطول والعرض، أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، المعروف في البلاد الشرقية بشمس الدين، وهو الذي طاف الأرض معتبرا وطوى الأمصار مختبرا، وباحث فرق الأمم وسبر سير العرب والعجم ثم ألقى عصا التّسيار بهذه الحضرة العليا، لما علم أن لها مزية الفضل دون شرط ولا ثنيا، وطوى المشارق إلى مطلع بدرها بالمغرب، وآثرها على الأقطار إيثار التّبر على التّرب، اختيارا