للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد طول اختبار البلاد والخلق، ورغبة في اللّحاق، بالطائفة التي لا تزال على الحق، فغمره من إحسانها الجزيل، وامتنانها الحفيّ الحفيل، ما أنساه الماضي بالحال، وأغناه عن طول التّرحال، وحقّر عنده ما كان من سواها يستعظمه، وحقق لديه ما كان من فضلها يتوهمه، فنسى ما ألفه من جولان البلاد، وظفر بالمرعى الخصب بعد طول الارتياد.

ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملي ما شهده في رحلته من الأمصار، وما علق بحفظه من نوادر الأخبار ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار، وعلمائها الأخيار وأوليائها الأبرار، فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر، وبهجة المسامع والنواظر، من كل غريبة أفاد باجتلابها، وعجيبة أطرف بانتخابها، وصدر الأمر العالي لعبد مقامهم الكريم، المنقطع إلى بابهم، المتشرف بخدمة جنابهم، محمد «٧» بن محمد «٨» بن جزي الكلبي أعانه الله على خدمتهم، وأوزعه شكر نعمتهم، بأن يضم أطراف ما أملاه، الشيخ أبو عبد الله، من ذلك في تصنيف يكون على فوائده مشتملا، ولنيل مقاصده مكمّلا، متوخيا تنقيح الكلام وتهذيبه، معتمدا إيضاحه وتقريبه، ليقع الاستمتاع بتلك الطّرف، ويعظم الانتفاع بدرّها عند تجريده عن الصدف، فامتثل ما أمر به مبادرا، وشرع في منهله ليكون، بمعونة الله، عن توفية الغرض منه صادرا، ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضّحة للمناحي التي اعتمدها، وربما أوردت لفظه على وضعه فلم أخلّ بأصله ولا فرعه، وأوردت جميع ما قيده من الحكايات والأخبار، ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار، على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك، وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من الألفاظ بذلك، وقيّدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط، ليكون أبلغ في التصحيح والضبط، وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء الأعجمية لانها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس، وأنا أرجو أن يقع ما قصدته من المقام

<<  <  ج: ص:  >  >>