السلطان، فأتاه برمان، فوجده حامضا، فأمره أن يأتي بغيره ففعل ذلك فوجده أيضا حاوضا، فقال له الوكيل أتكون في حراسة هذا البستان منذ ستة أشهر ولا تعرف الحلو من الحاوض فقال: إنما استأجرتني على الحراسة لا على الأكل! فأتى الوكيل إلى الملك فأعلمه بذلك، فبعث اليه الملك وكان قد رأى في المنام أنه يجتمع مع أبي يعقوب وتحصل له منه فائدة، فتفرّس أنه هو فقال له أنت أبو يعقوب؟ قال نعم، فقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه ثم احتمله إلى مجلسه فأضافه بضيافة من الحلال المكتسب بكدّ يمينه وأقام عنده أياما.
ثم خرج من دمشق فارا بنفسه في أوان البرد الشديد، فأتى قرية من قراها وكان بها رجل من الضعفاء، فعرض عليه النزول عنده، ففعل وصنع له مرقة وذبح دجاجة، فأتاه بها وبخبز شعير، فأكل من ذلك ودعا للرجل وكان عنده جملة أولاد منهم بنت قد آن بناء زوجها عليها، ومن عوائدهم في تلك البلاد أن البنت يجهزها أبوها ويكون معظم الجهاز أواني النحاس وبه يتفاخرون وبه يتبايعون، فقال أبو يعقوب للرجل هل عندك شيء من النحاس؟
قال: نعم، قد اشتريت منه لتجهيز هذه البنت، قال: ائتني به فأتاه به، فقال له استعر من جيرانك ما أمكنك منه، ففعل، وأحضر ذلك بين يديه، فأوقد عليه النيران، وأخرج صرة كانت عنده فيها الإكسير، فطرح منه على النحاس، فعاد كلّه ذهبا وتركه في بيت مقفل. وكتب كتابا إلى نور الدين ملك دمشق يعلمه بذلك وينبّهه على بناء مارستان للمرضى من الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني الزوايا بالطرق ويرضى أصحاب النحاس ويعطي صاحب البيت كفايته.
وقال له في آخر الكتاب « ... وإن كان إبراهيم بن أدهم قد خرج عن ملك خراسان فأنا قد خرجت من ملك المغرب وعن هذه الصنعة والسلام ... »
وفرّ من حينه، وذهب صاحب البيت بالكتاب إلى الملك نور الدين، فوصل الملك إلى تلك القرية واحتمل الذهب بعد أن أرضى أصحاب النحاس وصاحب البيت. وطلب أبا يعقوب فلم يجد له أثرا ولا يقع له على خبر فعاد إلى دمشق وبنى المارستان المعروف باسمه «٦٠» الذي ليس في المعمور مثله.