ثم وصلت إلى مدينة طرابلس «٦١» وهي إحدى قواعد الشام، وبلدانها الضخام، تخترقها الأنهار، وتحفّها البساتين والأشجار، ويكنفها البحر بمرافقه العميمة والبر بخيراته المقيمة، ولها الأسواق العجيبة، والمسارح الخصيبة والبحر على ميلين منها وهي حديثة البناء.
وأما طرابلس القديمة فكانت على ضفة البحر وتملّكها الروم زمانا، فلما استرجعها الملك الظاهر خربت، واتخذت هذه الحديثة، وبهذه المدينة نحو أربعين من أمراء الأتراك، وأميرها طيلان «٦٢» الحاجب المعروف بملك الأمراء، ومسكنه منها بالدار المعروفة بدار السّعادة، ومن عوائده أن يركب في كل يوم اثنين وخميس، ويركب معه الأمراء والعساكر ويخرج إلى ظاهر المدينة فإذا عاد إليها وقارب الوصول إلى منزله ترجل الأمراء ونزلوا عن دوابهم ومشوا بين يديه حتى يدخل منزله، وينصرفون «٦٣» وتضرب الطّبلخانة عند دار كل أمير منهم بعد صلاة المغرب من كل يوم، وتوقد المشاعل. وممن كان بها من الأعلام كاتب السر بهاء الدين ابن غانم «٦٤» أحد الفضلاء الحسباء، معروف بالسخاء والكرم، وأخوه حسام الدين هو شيخ القدس الشريف، وقد ذكرناه «٦٥» ، وأخوهما علاء الدين «٦٦» كاتب السر بدمشق.