هذه حلب كم ادخلت ملوكها في خبر كان، ونسخت ظرف الزمان بالمكان! أنّث اسمها فتحلت بحلية الغوان، ودانت بالعذر فيمن دان، وتجلت عروسا بعد سيف دولتها ابن حمدان، هيهات هيهات سيهرم شبابها، ويعدم خطابها، ويسرع فيها بعد حين خرابها! وقلعة حلب تسمى الشهباء «٨٨» ، وبداخلها جبّان ينبع منهما الماء، فلا تخاف الظمأ، ويطيف بها سوران، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وسورها متدانى الأبراج، وقد انتظمت بها العلاليّ العجيبة المفتحة الطيقان، وكلّ برج منها مسكون، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد «٨٩» .
وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال: إن الخليل عليه السلام كان يتعبد به. وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك بن طوق التي على الفرات بين الشام والعراق «٩٠» ، ولما قصد قازان «٩١» طاغية التتر مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ونكص عنها خائبا.
قال ابن جزي: وفي هذه القلعة يقول الخالدي «٩٢» شاعر سيف الدولة:
وخرقاء قد تاهت على من يرومها ... بمرقبها العالي وجانبها الصّعب
يجرّ عليها الجوّ جيب غمامة ... ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب