ثم سافرت إلى مدينة أنطاكية، «١١٥» وهي مدينة عظيمة أصيلة، وكان عليها سور محكم لا نظير له في أسوار بلاد الشام، فلما فتحها الملك الظاهر هدم سورها، وأنطاكية كثيرة العمارة، ودورها حسنة البناء كثيرة الأشجار والمياه، وبخارجها نهر العاصي، وبها قبر حبيب النجار «١١٦» رضي الله عنه، وعليه زاوية فيها الطعام للوارد والصادر، شيخها الصالح المعمّر محمد بن علي، سنّه ينيف على الماية، وهو ممتع بقوته، دخلت عليه مرة في بستان له وقد جمع حطبا ورفعه على كاهله ليأتي به منزله بالمدينة، ورأيت ابنه قد أناف على الثمانين إلا أنه محدودب الظهر لا يستطيع النهوض، ومن يراهما يظن الوالد منهما ولدا والولد والدا!! ثم سافرت إلى حصن بغراس «١١٧» وضبط اسمه ببناء موحدة مضمومة وغين معجمة مسكنة وراء وآخره سين مهمل، وهو حصن منيع لا يرام، عليه البساتين والمزارع، ومنه يدخل إلى بلاد سيس «١١٨» ، وهي بلاد كفار الارمن، وهم رعية للملك الناصر يؤدون إليه مالا، ودراهمهم فضة خالصة، تعرف بالبغلية «١١٩» ، وبها تصنع الثياب الدبليزية «١٢٠» ، وأمير هذا الحصن صارم الدين بن الشيباني، وله ولد فاضل اسمه علاء الدين وابن أخ اسمه حسام الدين فاضل كريم يسكن الموضع المعروف بالرّصص بضم الراء والصاد المهمل الأول «١٢١» ، ويحفظ الطريق إلى بلاد الأرمن.