قال ابن جزى: كرّم الله هذه الكنية الشريفة، فما أعجب أمرها في الكرم! وحسبك بمولانا بحر المكارم ورافع رايات الجود الذي هو آية في النداء والفضل أمير المسلمين أبي سعيد ابن مولانا قامع الكفار، والآخذ للإسلام بالثأر، أمير المسلمين أبي يوسف، قدس الله أرواحهم الكريمة، وأبقى الملك في عقبهم الطاهر إلى يوم الدين «٢٤٠» .
رجع، وفي هذا الرّكب الأسواق الحافلة، والمرافق العظيمة، وأنواع الأطعمة والفواكه، وهم يسيرون باللّيل ويوقدون المشاعل أمام القطار والمحارات، فترى الأرض تتلألأ نورا والليل قد عاد نهارا ساطعا، ثم رحلنا من بطن مرّ إلى عسفان، ثم إلى خليص، ثم رحلنا أربع مراحل ونزلنا وادي السمك، ثم رحلنا خمسا ونزلنا في بدر، وهذه المراحل اثنتان في اليوم: إحداهما بعد الصبح والأخرى بالعشى، ثم رحلنا من بدر فنزلنا الصّفراء وأقمنا بها يوما مستريحين، ومنها إلى المدينة الشريفة مسيرة ثلاث، ثم رحلنا فوصلنا إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانية وأقمنا بالمدينة، كرمها الله تعالى، ستة أيام واستصحبنا منها الماء لمسيرة ثلاث، ورحلنا عنها فنزلنا في الثالثة بوادي العروس فتزودنا منه الماء من حسيان يحفرون عليها في الأرض فينبطون ماء عذبا معينا.
ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد وهو بسيط من الأرض مدّ البصر فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج ونزلنا بعد أربع مراحل على ماء يعرف بالعسيلة «٢٤١» . ثم رحلنا عنه ونزلنا ماء يعرف بالنقرة «٢٤٢» فيه أثار مصانع كالصّهاريج العظيمة، ثم رحلنا إلى ماء يعرف بالقارورة «٢٤٣» ، وهي مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر، رحمها الله ونفعها، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد، فسيح طيّب النسيم صحيح الهواء نقي التّربة معتدل في كل فصل، ثم رحلنا من القارورة، ونزلنا بالحاجر، وفيه مصانع للماء