وربما جفّت فحفر عن الماء في الجفار «٢٤٤» . ثم رحلنا ونزلنا سميرة «٢٤٥» ، وهي أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون، وماؤها كثير في آبار إلا أنه زعاق ويأتي عرب تلك الارض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام، ولا يبيعون بسوى ذلك، ثم رحلنا ونزلنا بالجبل المخروق «٢٤٦» ، وهو في بيداء من الأرض وفي أعلاه ثقب نافذ تخرقه الرّيح، ثم رحلنا منه إلى وادي الكروش، ولا ماء به، ثم أسرينا ليلا وصبّحنا حصن فيد «٢٤٧» ، وهو حصن كبير في بسيط من الأرض يدور به سور، وعليه ربض وساكنوه عرب يتعيشون مع الحاجّ في البيع والتجارة، وهنالك يترك الحجّاج بعض أزوادهم حين وصولهم من العراق إلى مكة شرفها الله تعالى، فإذا عادوا وجدوه، وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد، ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوما في طريق سهل به المياه في المصانع.
ومن عادة الركب أن يدخلوا هذا الموضع على تعبئة وأهبة للحرب إرهابا للعرب المجتمعين هنالك وقطعا لأطعامهم عن الركب.
وهنالك لقينا أميري العرب وهما فياض وحيار واسمه بكسر الحاء واهمالها وياء آخر الحروف وهما أبناء الأمير مهنّا بن عيسى «٢٤٨» ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة، فظهر منهما المحافظة على الحاج والرّحال والحوطة لهم، وأتى العرب بالجمال والغنم فاشترى منهم الناس ما قدروا عليه.