لي بالقرب منه وقعدت عليها، وليس بالمجلس إلا حاجبه الفقيه محمود، ونديم له لا أعرف اسمه، فسألني عن حالي وبلادي وسألني عن الملك الناصر وبلاد الحجاز، فأجبته عن ذلك، ثم جاء فقيه كبير هو رئيس فقهاء تلك البلاد، فقال لي السلطان: هذا مولانا فضيل، والفقيه ببلاد الأعاجم كلّها إنما يخاطب بمولانا «٩٣» ، وبذلك يدعوه السلطان وسواه، ثم أخذ في الثناء على الفقيه المذكور وظهر لي أن السّكر غالب عليه! وكنت قد عرفت إدمانه على الخمر، ثم قال لي: باللسان العربي، وكان يحسنه: تكلّم! فقلت له: إن كنت تسمع منّي أقول لك، أنت من أولاد السلطان أتابك أحمد المشهور بالصلاح والزهد، وليس فيك ما يقدح في سلطنتك غير هذا! وأشرت إلى الآنيتين، فخجل من كلامي، وسكت وأردت الانصراف فأمرني بالجلوس وقال لي: الاجتماع مع أمثالك رحمة، ثم رأيته يتمايل ويريد النوم، فانصرفت وكنت تركت نعلي بالباب فلم أجده، فنزل الفقيه محمود في طلبه، وصعد الفقيه فضيل يطلبه في داخل المجلس، فوجده في طاق هنالك، فأتى إليّ به فأخجلني برّه، واعتذرت إليه، فقبّل نعلي حينئذ، ووضعه على رأسه، وقال لي: بارك الله فيك هذا الذي قلته لسلطاننا لا يقدر أحد أن يقوله له، غيرك، والله إني لأرجو أن يؤثر ذلك فيه.
ثم كان رحيلي من حضرة إيذج بعد أيام فنزلت بمدرسة السلاطين التي بها قبورهم، وأقمت بها أياما، وبعث إليّ السلطان بجملة دنانير، وبعث بمثلها لأصحابي، وسافرنا في بلاد هذا السلطان عشرة أيام في جبال شامخة «٩٤» ، وفي كل ليلة ننزل بمدرسة فيها الطعام، فمنها ما هو في العمارة، ومنها ما لا عمارة حوله، ولكن يجلب إليها جميع ما تحتاج اليه.
وفي اليوم العاشر نزلنا بمدرسة تعرف بمدرسة كريو الرّخ «٩٥» ، وهي آخر بلاد هذا الملك، وسافرنا منها في بسيط من الأرض كثير المياه من عمالة مدينة إصفهان، ثم وصلنا إلى