لقد أقام على بغداد ناعيها ... فليبكها لخراب الدّهر باكيها!
كانت على مائها والحرب موقدة ... والنّار تطفا حسنا في نواحيها
ترجى لها عودة في الدّهر صالحة ... فالآن أضمر منها اليأس راجيها
مثل العجوز التي ولّت شبيبتها ... وبان عنها جمال كان يحظيها!!
وقد نظم الناس في مدحها وذكر محاسنها فأطنبوا، ووجدوا مكان القول ذا سعة فاطالوا وأطابوا وفيها قال الإمام القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي «١٨٣» ، وأنشدنيه والدي، رحمه الله، مرّات
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قربا إليها وان عاقت مقادير
وكيف أرحل عنها اليوم اذ جمعت ... طيب الهوائين ممدود ومقصور
وفيها يقول أيضا رحمه الله تعالى ورضي عنه:
سلام على بغداد في كلّ موطن ... وحقّ لها منّى السّلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وانّي بشطّي جانبيها لعارف
ولا كنّها ضاقت عليّ برحبها ... ولم تكن الأقدار فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف!
وفيها يقول أيضا مغاضبا لها، وأنشدنيه والدي رحمه الله غير ما مرّة:
بغداد دار لأهل المال واسعة ... وللصّعاليك دار الضّنك والضيق
ظللت أمشي مضاعا في أزقّتها ... كأنّني مصحف في بيت زنديق «١٨٤» !!