ولمّا انقضى الحجّ أقمت مجاورا بمكّة حرسها الله سنة ثلاثين، وفي موسمها وقعت الفتنة بين أمير مكّة عطيفة وبين ايدمور أمير جندار الناصريّ «٣٠٨» وسبب ذلك أنّ تجارا من أهل اليمن سرقوا، فتشكّوا إلى أيد مور بذلك، فقال ايدمور أمير لمبارك بن الامير عطيفة أيت بهؤلاء السرّاق! فقال: لا أعرفهم فكيف نأتي بهم؟ وبعد فأهل اليمن تحت حكمنا، ولا حكم عليهم لك، إن سرق لأهل مصر والشام شيء فاطلبني به، فشتمه أيدمور وقال له: يا قوّاد! تقول لي هكذا! وضربه على صدره، فسقط ووقعت عمامته عن رأسه، وغضب له عبيده، وركب أيدمور يريد عسكره، فلحقه مبارك وعبيده فقتلوه وقتلوا ولده، ووقعت الفتنة بالحرم، وكان به أمير أحمد ابن عمّ الملك الناصر. «٣٠٩»
ورمى الترك بالنشّاب فقتلوا امرأة قيل إنها كانت تحرّض أهل مكّة على القتال، وركب من بالركب من الأتراك واميرهم خاصّ ترك، فخرج إليهم القاضي والأئمة والمجاورون وفوق رؤوسهم المصاحف وحاولوا الصلح ودخل الحجّاج مكّة فأخذوا مالهم بها، وانصرفوا إلى مصر.
وبلغ الخبر إلى الملك الناصر فشقّ عليه وبعث العساكر إلى مكّة ففرّ الأمير عطيفة وابنه مبارك وخرج أخوه رميثة وأولاده إلى وادي نخلة فلما وصل العسكر إلى مكّة بعث الامير رميثة أحد أولاده يطلب له الأمان ولولده فأمنوا وأتى رميثة وكفنه في يده إلى الامير فخلع عليه، وسلّمت إليه مكّة وعاد العسكر إلى مصر. وكان الملك الناصر رحمه الله حليما فاضلا.