معهم ويأكل سائر الناس بدار الطعام وأكلهم على ترتيب مثل ترتيبهم في الدخول على الشيخ ثم يدخل الشيخ إلى داره ويقعد القاضي والوزراء وكاتب السرّ وأربعة من كبار الأمراء للفصل بين الناس وأهل الشكايات، فما كان متعلّقا بالأحكام الشرعيّة حكم فيه القاضي وما كان من سوى ذلك حكم فيه أهل الشورى وهم الوزراء والأمراء، وما كان مفتقرا إلى مشاورة السلطان كتبوا إليه فيه فيخرج لهم الجواب من حينه على ظهر البطاقة بما يقتضيه نظره وتلك عادتهم دائما.
ثم ركبت البحر من مدينة مقدشو متوجّها إلى بلاد السواحل «٦٣» قاصدا مدينة كلوا من بلاد الزنوج «٦٤» ، فوصلنا إلى جزيرة منبسى، وضبط اسمها ميم مفتوحة ونون مسكّن وباء موحدة مفتوحة وسين مهمل مفتوح وياء، وهي جزيرة كبيرة «٦٥» بينها وبين أرض السواحل مسيرة يومين في البحر ولا برّ ولها أشجار الموز والليمون والأترج، ولهم فاكهة يسمّونها الجمّون «٦٦» وهي شبه الزيتون ولها نوى كنواه إلّا أنها شديدة الحلاوة، ولا زرع عند أهل هذه الجزيرة وانّما يجلب اليهم من السواحل، وأكثر طعامهم الموز والسمك، وهم شافعيّة المذهب أهل دين وعفاف وصلاح، ومساجدهم من الخشب محكمة الإتقان، وعلى كلّ باب من أبواب المساجد البئر والثنتان، وعمق أبارهم ذراع أو ذراعان، فيستقون منها الماء بقدح خشب قد غرز فيه عود رقيق في طول الذراع والأرض حول البئر والمسجد مسطّحة، فمن أراد دخول المسجد غسل رجليه، ودخل، ويكون على بابه قطعة حصير غليظ يمسح بها رجليه، ومن أراد الوضوء أمسك القدح بين فخذيه، وصبّ على يديه، وتوضأ وجميع الناس يمشون حفاة الأقدام.