للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خوّاصّ هذه المدينة وعجائبها انّه لا يقصدها أحد بسوء الّا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها، وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرّة في البرّ والبحر فأرسل الله سبحانه عليه ريحا عاصفا كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها «٨٤» ، وكذلك ذكر لي أن الملك المجاهد سلطان اليمن «٨٥» عيّن ابن عمّ له بعسكر كبير برسم انتزاعها من يد ملكها، وهو أيضا ابن عمّه فلمّا خرج ذلك الأمير عن داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعا ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها.

ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم نزلت بدار الخطيب بمسجدها الاعظم وهو عيسى بن عليّ، كبير القدر، كريم النفس فكان له جوار مسمّيات بأسماء خدم المغرب: إحداهنّ اسمها بخيت والأخرى زاد المال ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها.

وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون العمائم، وفي كلّ دار من دورهم سجّادة الخوص معلّقة في البيت يصلّي عليها صاحب البيت كما يفعل أهل المغرب، وأكلهم الذرة وهذا التشابه كلّه ممّا يقوّي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير «٨٦» .

وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمّد بن أبي بكر «٨٧» عيسى من أهل ظفار، وهذه الزاوية معظمة عندهم يأتون إليها غدوّا وعشيّا، ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له بها مدّة سنين مستجيرا لم يتعرّض له السلطان، وفي الأيّام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان وأقام فيها حتّى وقع بينهما الصلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>