ومن عادة هذا السلطان أن يجلس كلّ يوم بمجلسه بعد صلاة العصر ويوتى بالطعام فتفتح الأبواب ولا يمنع أحد من حضريّ أو بدويّ، أو غريب أو مسافر من الأكل، ويجلس في أول النهار جلوسا خاصّا، ويأتي ابنه فيقبّل يديه، وينصرف إلى مجلس له، ويأتي أرباب الدولة فيأكلون عنده وينصرفون.
ومن عادته في يوم الجمعة أن يركب إلى المسجد، وهو بعيد عن داره، والمسجد المذكور هو ثلاث طبقات من الخشب، فيصلّي السلطان وأرباب دولته والقاضي والفقهاء ووجوه الأجناد في الطبقة السفلى، ويصلي أفندي «١٤٤» ، وهو أخو السلطان، وأصحابه وخدّامه وبعض أهل المدينة في الطبقة الوسطى، ويصلي ابن السلطان وليّ عهده وهو أصغر أولاده، ويسمى الجواد «١٤٥» ، وأصحابه ومماليكه وخدامه وسائر الناس في الطبقة العليا، ويجتمع القراء فيقعدون حلقة أمام المحراب، يقعد معهم الخطيب والقاضي ويكون السلطان بازاء المحراب ويقرءون سورة الكهف «١٤٦» بأصوات حسان ويكرّرون الآيات بترتيب عجيب، فإذا فرغوا من قراءتها صعد الخطيب المنبر فخطب ثم صلّى، فإذا فرغوا من الصلاة تنفّلوا وقرأ القارئ بين يدي السلطان عشرا وانصرف السلطان ومن معه، ثم يقرأ القارئ بين يدي أخي السلطان، فإذا أتمّ قراءته انصرف هو ومن معه، ثم يقرأ القارئ بين يدي ابن السلطان، فإذا فرغ من قراءته قام المعرّف، وهو المذكّر «١٤٧» فيمدح السلطان بشعر تركيّ ويمدح ابنه ويدعو لهما وينصرف، ويأتي ابن الملك إلى دار أبيه بعد أن يقبل يد عمّه في طريقه، وعمّه واقف في انتظاره ثم يدخلان إلى السلطان فيتقدم أخوه ويقبّل يده ويجلس بين يديه، ثم يأتي ابنه فيقبّل يده وينصرف إلى مجلسه فيقعد به مع ناسه، فإذا حانت صلاة العصر صلوها جميعا وقبل أخو السلطان يده وانصرف عنه فلا يعود اليه إلّا في الجمعة الأخرى وامّا الولد فإنّه يأتي كلّ يوم غدوة كما ذكرناه.
ثو سافرنا من هذه المدينة ونزلنا في زاوية عظيمة بإحدى القرى من أحسن زاوية