رأيتها في تلك البلاد، بناها أمير كبير تاب إلى الله تعالى يسمّى فخر الدين «١٤٨» وجعل النظر فيها لولده والإشراف لمن أقام بالزاوية من الفقراء، وفوائد القرية وقف عليها، وبنى بازاء الزاوية حمّاما للسبيل يدخله الوارد والصادر من غير شئ يلزمه وبنى سوقا بالقرية ووقفه على المسجد الجامع وعيّن من أوقاف هذه الزاوية لكلّ فقير يرد من الحرمين الشريفين أو من الشام ومصر والعراقين وخراسان وسواها كسوة كاملة ومائة درهم يوم قدومه وثلاثماية درهم يوم سفره والنفقة أيّام مقامه، وهي الخبز واللحم والأرز المطبوخ بالسمن والحلواء، ولكل فقير من بلاد الروم عشرة دراهم وضيافة ثلاثة أيّام.
ثم انصرفنا وبتنا ليلة بزاوية في جبل شامخ لا عمارة فيه عمّرها بعض الفتيان الأخيّة، ويعرف بنظام الدين من أهل قصطمونية ووقف عليها قرية ينفق خراجها على الوارد والصادر بهذه الزاوية.
وسافرنا من هذه الزاوية إلى مدينة صنوب «١٤٩» ، وضبط اسمها بفتح الصاد وضمّ النون وآخره باء، وهي مدينة حافلة جمعت بين التحصين والتحسين، يحيط بها البحر من جميع جهاتها إلا واحدة وهي جهة الشرق، ولها هنالك باب واحد لا يدخل إليها أحد إلا بإذن أميرها إبراهيم بك «١٥٠» ابن السلطان سليمان پادشاه الذي ذكرناه.
ولما أستوذن لنا عليه دخلنا البلد ونزلنا بزاوية عزّ الدين أخي جلبي، وهي خارج باب البحر، ومن هنالك يصعد إلى جبل داخل في البحر، كمينا سبتة «١٥١» ، فيه البساتين والمزارع والمياه وأكثر فواكهه التين والعنب وهو جبل مانع لا يستطاع الصعود إليه، وفيه إحدى عشرة قرية يسكنها كفار الروم تحت ذمّة المسلمين وبأعلاه رابطة تنسب للخضر وإلياس عليهما