وعلى ساحل هذا الخليج الثالث مدينة الفنيكة «٨٥» واسمها بفاء مفتوحة ونون وياء مدّ وكاف مفتوح، وهي صغيرة لاكنّها حسنة مانعة، وكنائسها وديارها حسان، والأنهار تخرقها والبساتين تحفّها، ويدّخر بها العنب والاجّاص والتفاح والسفرجل من السنة إلى الأخرى، وأقمنا بهذه المدينة ثلاثا والخاتون في قصر لأبيها هنالك، ثمّ قدم أخوها شقيقها واسمه كفالي قراس «٨٦» في خمسة آلاف فارس شاكّين في السلاح، ولما أرادوا لقاء الخاتون ركب أخوها المذكور فرسا أشهب ولبس ثيابا بيضا، وجعل على رأسه مظلا مكلّلا بالجواهر، وجعل عن يمينه خمسة من أبناء الملوك، وعن يساره مثلهم لابسين البياض أيضا، وعليهم مظلّات مزركشة بالذهب وجعل بين يديه مائة من المشّائين، ومائة فارس قد أسبغوا الدروع على أنفسهم وخيلهم، وكلّ واحد منهم يقود فرسا مسرجا مدرعا عليه شكّة فارس من البيضة المجوهرة والدرع والتركش والقوس والسيف وبيده رمح في طرف رأسه راية واكثر تلك الرماح مكسوّة بصفائح الذهب والفضة، وتلك الخيل المقودة هي مراكب ابن السلطان، وقسّم فرسانه على أفواج، كلّ فوج فارس، ولهم أمير قد قدّم أمامه عشرة من الفرسان شاكّين في السلاح، وكل واحد منهم يقود فرسا وخلفه عشرة من العلامات ملوّنة بأيدي عشرة من الفرسان، وعشرة أطبال يتقلدها عشرة من الفرسان ومعهم ستة يضربون الأبواق والأنفار والصّرنايات وهي الغيطات.
وركبت «٨٧» الخاتون في مماليكها وجواريها وفتيانها وخدامها وهم نحو خمسمائة عليهم ثياب الحرير المزركشة بالذهب المرصّعة وعلى الخاتون حلّة يقال لها النّخ، ويقال لها أيضا النسيج، مرصّعة بالجوهر وعلى رأسها تاج مرصع، وفرسها مجلّل بجل حرير، مزركش بالذهب، وفي يديه ورجليه خلاخل الذّهب، وفي عنقه قلائد مرصّعة وعظم السرج مسكوّ ذهبا مكلّل جوهرا.
وكان التقاؤهما في بسيط من الأرض على نحو ميل من البلد، وترجل لها أخوها لأنه أصغر سنّا منها وقبّل ركابها، وقبّلت رأسه، وترجل الأمراء وأولاد الملوك وقبّلوا جميعا ركابها، وانصرفت مع أخيها.