وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كبيرة على ساحل البحر لا أثبت الآن اسمها «٨٨» ذات أنهار وأشجار، نزلنا بخارجها، ووصل أخو الخاتون وليّ العهد في ترتيب عظيم وعسكر ضخم من عشرة آلاف مدرع، وعلى رأسه تاج وعن يمينه نحو عشرين من أبناء الملوك، وعن يساره مثلهم وقد رتّب فرسانه على ترتيب أخيه سواء إلّا أنّ الحفل أعظم والجمع أكثر، وتلاقت معه أخته في مثل زيّها الأول وترجّلا جميعا وأوتي بخباء حرير فدخلا فيه، فلا أعلم كيفية سلامهما! ونزلنا على عشرة أميال من القسطنطينية.
فلما كان بالغد خرج أهلها من رجال ونساء وصبيان ركبانا ومشاة في أحسن زيّ وأجمل لباس وضربت عند الصبح الأطبال والأبواق والأنفار، وركبت العساكر، وخرج السلطان وزوجته أمّ هذه الخاتون وأرباب الدولة والخوّاص وعلى رأس الملك رواق يحمله جملة من الفرسان ورجال بأيديهم عصّي طوال في أعلى كل عصي شبه كرة من جلد يرفعون بها الرّواق، وفي وسط الرواق مثل القبّة يرفعها الفرسان بالعصيّ.
ولما أقبل السلطان اختلطت العساكر وكثر العجاج، ولم أقدر على الدخول فيما بينهم، فلزمت أثقال الخاتون وأصحابها خوفا على نفسي، وذكر لي أنّها لمّا قربت من أبويها ترجلت وقبلت الأرض بين أيديهما ثم قبلت حافري فرسيهما! وفعل كبار أصحابها مثل فعلها في ذلك.
وكان دخولنا «٨٩» عند الزوال أو بعده إلى القسطنطينية العظمى، وقد ضربوا نواقيسهم حتى ارتجّت الآفاق لاختلاط أصواتها، ولما وصلنا الباب الأول من أبواب قصر الملك وجدنا به نحو مائة رجل معهم قائد لهم فوق دكّانة، وسمعتهم يقولون: سراكنو!