كبار أهل خوارزم، وبها أيضا زاوية شيخها الصالح المجاور جلال الدين السمرقندي من كبار الصالحين أضافنا بها، وبخارجها قبر الإمام العلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزّمخشري «١٢» وعليه قبّة، وزمخشر: قرية على مسافة أربعة أميال من خوارزم، ولما أتيت هذه المدينة نزلت بخارجها وتوجّه بعض أصحابي إلى القاضي الصدر أبي حفص عمر البكري «١٣» ، فبعث إلي نائبه نور الاسلام فسلّم علي، ثم عاد إليه ثم أتى القاضي في جماعة من أصحابه فسلّم عليّ، وهو فتى حدث السن، كبير الفعال وله نائبان أحدهما نور الإسلام المذكور والآخر نور الدين الكرماني من كبار الفقهاء، وهو الشديد في أحكامه، القوي في ذات الله تعالى.
ولما حصل الاجتماع بالقاضي، قال لي: إن هذه المدينة كثيرة الزحام ودخولكم نهارا لا يتأتى، وسيأتي إليكم نور الإسلام لتدخلوا معه من آخر الليل ففعلنا ذلك ونزلنا بمدرسة جديدة ليس بها أحد، ولما كان بعد صلاة الصبح أتى إلينا القاضي المذكور، ومعه من كبار المدينة جماعة منهم مولانا همام الدين ومولانا زين الدين المقدسي، ومولانا رضي الدين يحيى، ومولانا فضل الله الرّضوي، ومولانا جلال الدين العمادي، ومولانا شمس الدين السّنجري إمام أميرها، وهم أهل مكارم وفضائل، والغالب على مذهبهم الاعتزال «١٤» لاكنهم لا يظهرونه لأن السلطان أوزبك وأميره على هذه المدينة قطلودمور من أهل السنة.
وكنت أيام إقامتي بها أصلّي الجمعة مع القاضي أبي حفص عمر المذكور بمسجده، فإذا فرغت الصلاة ذهبت معه إلى داره وهي قريبة من المسجد فأدخل معه إلى مجلسه وهو من أبدع المجالس فيه الفرش الحافلة وحيطانه مكسوة بالملفّ وفيه طيقان كثيرة، وفي كل طاق منها أواني الفضة المموّهة بالذهب والأواني العراقية، وكذلك عادة أهل تلك البلاد أن يصنعوا في بيوتهم، ثم يأتي بالطعام الكثير، وهو من أهل الرفاهية والمال الكثير والرّباع وهو سلف الأمير قطلودمور متزوج بأخت امرأته واسمها جيجا أغا، وبهذه المدينة جماعة من الوعاظ والمذكّرين أكبرهم مولانا زين الدين المقدسي والخطيب مولانا حسام الدين المشّاطي الخطيب المصقع أحد الخطباء الأربعة الذين لم أسمع في الدنيا أحسن منهم.