الصهريج وانغمسن فيه وجرّدن ما عليهن من ثياب وحليّ فتصدقن به وأتيت كل واحدة منهنّ بثوب قطن خشن غير مخيط فربطت بعضه على وسطها وبعضه على رأسها وكتفيها والنيران قد أضرمت على قرب من ذلك الصهريج في موضع منخفض وصبّ عليها روغن كنجت «٥٩» وهو زيت الجلجلان، فزاد في اشتعالها وهناك نحو خمسة عشر رجلا بأيديهم حزم من الحطب الرقيق ومعهم نحو عشرة بأيديهم خشب كبار، وأهل الأطبال والأبواق وقوف ينتظرون مجىء المرأة، وقد حجبت النار بملحفة يمسكها الرجال بأيديهم لئلّا يدهشها النظر إليها، فرأيت إحداهن لما وصلت إلى تلك الملحفة نزعتها من أيدي الرجال بعنف، وقالت لهم «٦٠» :
مارا مى ترسانى أز أطش من مى دانم أو آطش آست رها كني مارا، وهي تضحك، ومعنى هذا الكلام: أبالنّار تخوفونني؟ أنا أعلم أنها نار محرقة! ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار ورمت بنفسها فيها، وعند ذلك ضربت الأطبال والأنفار والأبواق ورمى الرجال ما بأيديهم من الحطب عليها، وجعل الآخرون تلك الخشب من فوقها لئلّا تتحرك، وارتفعت الأصوات وكثر الضجيج، ولما رأيت ذلك كدت أسقط عن فرسي لولا أصحابي تداركوني بالماء، فغسلوا وجهي وانصرفت! وكذلك يفعل أهل الهند أيضا في الغرق يغرق كثير منهم أنفسهم في نهر الكنك «٦١» وهو الذي إليه يحجون، وفيه يرمى برماد هؤلاء المحرقين، وهم يقولون إنه من الجنة، وإذا أتى أحدهم ليغرق نفسه، يقول لمن حضره: لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا أو لقلة مال، إنما قصدي التقرب إلى كساي «٦٢» ، وكساي بضم الكاف والسين المهمل، اسم الله عز وجل، بلسانهم، ثم يغرق نفسه، فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده في البحر المذكور.
ولنعد إلى كلامنا الأول فنقول: سافرنا من مدينة أجودهّن، فوصلنا بعد مسيرة أربعة أيام منها إلى مدينة سرستي «٦٣» . وضبط اسمها بسينين مفتوحين بينهما راء ساكنة ثم تاء