ثم رحلنا فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى بطالة، وقد تقدم ذكرها، ودخلنا إلى سلطانها الذي تقدم ذكره، ووجدت الناخودة ابراهيم في انتظاري، فسافرنا بقصد بلاد المعبر، وقويت الريح وكاد الماء يدخل في المراكب ولم يكن لنا رايس عارف.
ثم وصلنا إلى حجارة كاد المركب ينكسر فيها، ثم دخلنا بحرا قصيرا فتجلّس المركب، ورأينا الموت عيانا، ورمى الناس بما معهم وتوادعوا وقطّعنا صاري المركب فرمينا به وصنع البحرية معدية من الخشب، وكان بيننا وبين البر فرسخان، فأردت أن أنزل في المعدية، وكان لي جاريتان وصاحبان من أصحابي فقالا: أتنزل وتتركنا؟ فآثرتهما على نفسي وقلت: انزلا انتما والجارية التي أحبها، فقالت الجارية: إني أحسن السباحة، فأتعلق بحبل من حبال المعدية وأعوم معهم، فنزل رفيقاي وأحدهما محمد بن فرحان التوزري، والآخر رجل مصري، والجارية معهم والأخرى تسبح، وربط البحرية في المعدية حبالا وسبحوا بها، وجعلت معهم ما عزّ علي من المتاع والجواهر والعنبر، فوصلوا إلى البر سالمين لأن الريح كانت تساعدهم.
وأقمت بالمركب ونزل صاحبه إلى البر على الدّفة وشرع البحرية في عمل أربع من المعادي فجاء الليل قبل تمامها ودخل معنا الماء فصعدت إلى المؤخر وأقمت به حتى الصباح، وحينئذ جاء إلينا نفر من الكفار في قارب لهم، ونزلنا معهم إلى ساحل ببلاد المعبر، فأعلمناهم أنّا من أصحاب سلطانهم وهم تحت ذمته، فكتبوا اليه بذلك، وهو على مسيرة يومين في الغزو، وكتبت أنا إليه أعلمه بما اتفق علي، وأدخلنا أولئك الكفار إلى غيضة فأتونا بفاكهة تشبه البطيخ يثمرها شجر المقل «٢٧١» ، وفي داخلها شبه قطن فيه عسيلة يستخرجونها ويصنعون منها حلواء يسمونها التّل «٢٧٢» وهي تشبه السكر وأتوا بسمك طيب.
وأقمنا ثلاثة أيام ثم وصل من جهة السلطان أمير يعرف بقمر الدين معه جماعة فرسان ورجال وجاءوا بالدولة وبعشرة أفراس فركبت وركب أصحابي وصاحب المركب وإحدى الجاريتين، وحملت الأخرى في الدولة، ووصلنا إلى حصن هركاتو «٢٧٣» ، وضبط اسمه بفتح الهاء وسكون الراء وفتح الكاف وألف وتاء معلوة مضمومة وواو.