للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهز لي كندرة، ووصلت بعد ذلك إلى هللي «٢٩٣» وهي الجزيرة التي تخرج السلطانة وأخواتها اليها برسم التفرّج والسباحة ويسمون ذلك التّبحّر، ويلعبون في المراكب ويبعث لها الوزراء والأمراء بالهدايا والتحف متى كانت بها، ووجدت بها أخت السلطانة وزوجها الخطيب محمد بن الوزير جمال الدين وأمها التي كانت زوجتي فجاء الخطيب إليّ وأتوا بالطعام.

ومرّ بعض أهل الجزيرة إلى الوزير عبد الله فأعلموه بقدومي، فسأل عن حالي وعمّن قدم معي، وأخبر أني جئت برسم حمل ولدي، وكانت سنه نحو عامين «٢٩٤» وأتته أمه تشكو من ذلك، فقال لها: أنا لا أمنعه من حمل ولده، وأذن لي في دخول الجزيرة، وأنزلني بدار تقابل برج قصره ليتطلّع على حالي، وبعث إلي بكسوة كاملة وبالتّنبول وماء الورد على عادتهم، وجئت بثوبي حرير للرمى عند السلام فأخذوهما، ولم يخرج الوزير إليّ ذلك اليوم، وأتي إليّ بولدي فظهر لي أن تعجيل السفر أولى، فطلبت الإذن في ذلك فاستدعاني الوزير ودخلت عليه وأتوني بالثوبين الذين أخذوهما مني فرميتهما عند السلام على العادة، وأجلسني إلى جانبه، وسألني عن حالي، وأكلت معه الطعام وغسلت يدي معه في الطست، وذلك شيء لا يفعله مع أحد، وأتوا بالتنبول، وانصرفت، وبعث إلي بأثواب وبساتي «٢٩٥» من الودع، وأحسن في افعاله وأجمل.

وسافرت فأقمنا على ظهر البحر ثلاثا وأربعين ليلة، ثم وصلنا إلى بلاد بنجالة، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون النون وجيم معقود وألف ولام مفتوح، وهي بلاد متسعة كثيرة الأرز، ولم أر في الدنيا أرخص أسعارا منها لكنها مظلمة، وأهل خرسان يسمونها دوزخست بور نعمت «٢٩٦» معناه: جهنم ملأى بالنعم، رأيت الأرز يباع في أسواقها خمسة وعشرين رطلا دهلية بدينار فضي «٢٩٧» ، والدينار الفضي هو ثمانية دراهم، ودرهمهم كالدرهم النّقرة سواء، والرطل الدّهلي عشرون رطلا مغربية، وسمعتهم يقولون أن ذلك غلاء عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>