إليه فقال: أراك تنظر إلي نظر من يعرفني، فقلت له: من أيّ البلاد أنت؟ فقال من سبتة! فقلت له: وأنا من طنجة! فجدد السّلام عليّ وبكى حتى بكيت لبكائه!! فقلت له: هل دخلت بلاد الهند؟ فقال لي: نعم دخلت حضرة دهلي، فلما قال لي ذلك تذكّرت له، وقلت: أأنت البشري؟ قال: نعم! وكان وصل إلى دهلي مع خاله أبي القاسم المرسى وهو يومئذ شاب لا نبات بعارضيه، من حداق الطلبة، يحفظ الموطأ «٧٢» وكنت أعلمت سلطان الهند بأمره فأعطاه ثلاث آلاف دينار وطلب منه الإقامة عنده فأبى، وكان قصده بلاد الصين فعظم شأنه بها واكتسب الأموال الطائلة.
أخبرني أن له نحو خمسين غلاما، ومثلهم من الجواري وأهدى إلي منهم غلامين وجاريتين وتحفا كثيرة، ولقيت أخاه بعد ذلك ببلاد السودان، «٧٣» فيا بعد ما بينهما! وكانت إقامتي بقنجنفو خمسة عشر يوما، وسافرت منها، وبلاد الصين على ما فيها من الحسن لم تكن تعجبني، بل كان خاطري شديد التغير بسبب غلبة الكفر عليها، فمتى خرجت عن منزلي رأيت المناكير الكثيرة، فأقلقني ذلك حتى كنت ألازم المنزل فلا أخرج إلا لضرورة، وكنت إذا رأيت المسلمين بها فكأنّي لقيت أهلي وأقاربي! ومن تمام فضيلة هذا الفقيه البشري أن سافر معي لما رحلت عن قنجنفو أربعة أيام حتى وصلت إلى مدينة بيوم قطلو «٧٤» ، وهي بباء موحدة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وواو مفتوحة وميم وقاف مضموم وطاء مسكنة ولام مضموم وواو، مدينة صغيرة يسكنها الصينيون من جند وسوقة، وليس بها للمسلمين إلا أربعة من الدور، وأهلها من جهة الفقيه المذكور، ونزلنا بدار أحدهم وأقمنا عنده ثلاثة أيام ثم ودعت الفقيه وانصرفت فركبت النّهر على العادة نتغدّى بقرية ونتعشى بأخرى إلى أن وصلنا بعد سبعة عشر يوما منها إلى