للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة، ويسكنها المسلمون، ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام، وبها المساجد والمؤذنون، سمعناهم يؤذنون بالظهر عند دخولنا ونزلنا منها بدار أولاد عثمان بن عفان المصري، وكان أحد التّجار الكبار استحسن هذه المدينة فاستوطنها، وعرفت بالنسبة اليه وأورث عقبه بها الجاه والحرمة، وهم على ما كان عليه أبوهم من الإيثار على الفقراء والإعانة للمحتاجين، ولهم زاوية تعرف بالعثمانية، حسنة العمارة لها أوقاف كثيرة، وبها طائفة من الصوفية، وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة، ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافا عظيمة وعدد المسلمين بهذه المدينة كثير وكانت إقامتنا عندهم خمسة عشر يوما فكنا كل يوم وليلة في دعوة جديدة، ولا يزالون يحتفلون في أطعمتهم ويركبون معنا كلّ يوم للنزهة في أقطار المدينة.

وركبوا معي يوما فدخلنا إلى المدينة الرابعة وهي دار الإمارة وبها سكنى الامير الكبير قرطى. ولما «٧٨» دخلنا من بابها ذهب عني أصحابي ولقيني الوزير وذهب بي إلى دار الامير الكبير قرطي فكان من أخذه الفرجية التي أعطانيها ولي الله جلال الدين الشيرازي «٧٩» ما قد ذكرته.

وهذه المدينة منفردة لسكنى عبيد السلطان وخدامه وهي أحسن المدن الستّ، ويشقها أنهار ثلاثة: أحدها خليج يخرج من النهر الأعظم وتأتي فيه القوارب الصّغار إلى هذه المدينة بالمرافق من الطعام وأحجار الوقد، وفيه السفن للنّزهة، والمشور في وسط هذه المدينة، وهو كبير جدّا، ودار الإمارة في وسطه وهو يحف بها من جميع الجهات، وفيه سقائف فيها الصناع يصنعون الثياب النفيسة وآلات الحرب. وأخبرني الأمير قرطى أن عددهم الف وستمائة معلّم، كل واحد منهم يتبعه الثلاثة والاربعة من المتعلمين وهم أجمعون عبيد القان، وفي أرجلهم القيود، ومساكنهم خارج القصر، ويباح لهم الخروج إلى أسواق المدينة دون الخروج على بابها، ويعرضون كلّ يوم على الأمير مائة مائة، فان نقص أحدهم طلب به أميره! وعادتهم أنه اذا خدم احدهم عشر سنين فكّ عنه قيده، وكان يخيّر النّظرين إما أن يقيم في الخدمة غير مقيد، وإما أن يسير حيث شاء من بلاد القان ولا يخرج عنها، وإذا بلغ سنّه خمسين عاما أعتق من الأشغال وأنفق عليه، وكذلك ينفق على من بلغ هذه السن أو

<<  <  ج: ص:  >  >>