والآن وقد ألممنا بعض الشيء بعمل المستشرقين من أجل رحلة ابن بطوطة، نرى من المفيد أن نخصص هذا الحيّز لما قام به الزملاء العرب كذلك من جهود متنوعة مشكورة للإستفادة من الرحلة ...
وأرى من المفيد، منذ البداية، أن أذكّر بأنه بالرغم مما ظهر في المشرق من طبعات عديدة للرحلة منذ أواخر القرن الماضي وبالضبط ١٢٨٨ هـ ١٨٧١ م إلى اليوم فإن كل تلك الطبعات، وبدون استثناء، إنما كانت منقولة من الطبعة الباريزية، أي إنه لا يوجد ناشر واحد قام بمبادرة من عنده للاعتماد على مخطوطات جديدة غير التي اعتمد عليها الناشران الفرنسيان: ديفريميري وسانگينيتي، بل لم نجد واحدا من زملائنا من كلّف نفسه حتى زيارة المخطوطات الباريزية للقيام ببعض المقارنات والمفارقات ... !
ولكثر ما اعتمد الناشرون على الطبعات السائرة، وجدنا بعضهم يقتصر على اعتماد هذه" الطبعات" فيما ترسمه وتكتبه، فيقول مثلا: بعض الطبعات ترسمه كذا وبعضها تكتبه كذا! وكأنّ الأصول المخطوطة مفقودة «١» ! وفي مصر التي تعتبر- على مرّ العصور- بحقّ رائدة الفكر وعاصمة الكتاب العربي، فإن الرحلة لم تشتهر إلا عند ما صدرت كاملة في باريز عام ١٨٥٣- ١٨٥٨!. فهنا تحركت الهمم لطبعها بمصر نقلا- بالحرف- من الطبعة الفرنسية، ونقول بالحرف ونحن نقصد إلى أن الناشرين التّابعين لم يبذلوا أيّ جهد حتى في تصحيح نسبة الديباجة لابن جزي وليس لابن بطوطة على ما ندركه من قراءة السطور الأولى للمقدمة ...
وقد تمّ هذا الطبع أولا بمطبعة وادي النيل بتصحيح أبي السعود أفندي «٢» في منتصف جمادى الثانية ١٢٨٨ هـ- أول شتنبر ١٨٧١ م" على أصله المطبوع مع ترجمته بالفرانساوية بمدينة باريز في سنة ١٨٥٨ ميلادية" كما تقول هذه الطبعة.
وتحركت في بداية هذا القرن ١٣٢٢ هـ ١٩٠٤ م همة أحد أبناء فاس فتطوّع الشريف مولاي أحمد بن عبد الكريم القادري الحسني المغربي الفاسي بطبع الرحلة من جديد، وكان عليه- هو الآخر- أن يعتمد على النسخة المطبوعة بمصر المعتمدة بدورها على طبعة باريز.