للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وغَيرُهُ في البيتين في كتابِ (النكت) (١٤٤).

فأقول: إنّ العَرَبَ تُجيرُ في الدارِ زيدٌ والحُجرةِ عمروٌ، وإنَّ في الدارِ زيدًا والحُجْرَةِ عَمرًا، وليسَ بقائمٍ زيدٌ ولا خارِجٍ عَمروٌ، ولا تُجيزُ زيدٌ في الدارِ والحُجرةِ عَمروٌ، ولا إنّ زيدًا في الدارِ والحُجرةِ عَمرًا، ولا ليسَ زيدٌ بقائمٍ ولا خارجٍ عَمروٌ، والفَرقُ بَينَ الكلامينِ أنّك إذا قلتَ: في الدارِ زيدٌ والحُجرة عمروٌ جَرى آخِرُ الكلامِ وأوّلُهُ على استواءٍ من تقديمِ الخَبَرينِ على المُخْبرِ عنهما، فاحتَمَلَ الكلامُ الحَذْفَ من الثاني لدلالَةِ الأوّلِ على المحذوف ولاتصالِ المحذوفِ بحرفِ العطفِ القائمِ مقامَهُ في الاتصالِ بالمجرورِ، فلم يَبْقَ في الكلام إزالَةُ شيءٍ عن موضِعِه لوقوعِ الرُتبةِ فيه وحُصولِها.

فإذا قلتَ: زيدٌ في الدارِ والحُجرةِ عَمروٌ لم يَجُزْ لأنَّ خَبَرَ الأوّل وَقَع مُؤخَّرًا فيجبُ في خَبرِ الآخِرِ أنْ يُقَدَّرَ مؤخرًا طَلَبًا للاستواءِ، وأنتَ إذا أَخَّرْتَهُ فقلتَ: زيدٌ في الدارِ وعَمروٌ الحُجْرَةِ بطلَ لحَذْفِ حَرفِ الجَرِّ مع التفريقِ بينَ المجرورِ وحَرْفِ العطفِ، فكما (١٤٥) لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ في التأخيرِ لم يَجُز مع التقديمِ.

وكذلك القولُ في إنّ في الدارِ زيدًا والحُجرةِ عَمرًا، وفي قولك: ليسَ بقائمٍ زيدٌ ولا خارجٍ عَمرٌو، لأنّ هذا كُلَّه جارٍ على الرُتْبَةِ فجازَ فيه الحَذْفُ على ما تَقَدّمَ، فإنْ أخّرْتَ الخبرينِ في المسألتين بطلَ فيهما ما بَطَل في الأوّل.

فقولُه: ليسَ بآتيك مَنْهِيُّها ولا قاصِرٍ عنكَ مأمورُها بمنزلة قولك: ليسَ بقائمٍ زيدٌ ولا خارجٍ عمروٌ، وكذلك بيت الجعدي، ولو كانَ تأليفُ البيتين: ليسَ مَنْهِيُّها بآتيكَ ولا قاصِرٍ عنكَ مأمورُها، وليسَ أنْ تَرُدَّها صِحاحًا بمعروفٍ ولا مستنكَرٍ عَقْرُها لم يَجُزْ لِما قَدَّمْنا.

فَحَمْلُ البيتينِ على جوازِ الجَرِّ في الثاني وإنْ كانَ الآخِرُ أجنبيًّا من الأوّلِ خارجٌ على هذا ولا يحتاج إلى ما تأوَّلَهُ سيبويه من جَعْلِ المَنهيِّ كالأمورِ ورَدَّ الضميرِ المضافِ


(١٤٤) النكت ٢٠٠ - ٢٠٤.
(١٤٥) في ط: وكلّ ما لَمْ.

<<  <   >  >>