والتفقه ومسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك، ما تكرر على السؤال في كتاب يجمع شواردها ويسدد مقاصدها ويبين مشكل معناها وينصر اختلاف الروايات فيها ويظهر أحقها بالحق وأولاها، فنظرت في ذلك فإذا جميع ما وقع من ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه، يطول ويكثر، وتتبع ذلك مما يشق ويعسر، والاقتصار على تفاريق منها لا يرجع إلى ضبط ولا يحصر، فأجمعت على تحصيل ما وقع من ذلك في الأمهات الثلاث الجامعة لصحيح الآثار التي أجمع على تقديمها في الأعصار وقبلها العلماء في سائر الأمصار كتب الأئمة الثلاثة:"الموطأ" لأبي عبد الله مالك بن أنس المدني، و"الجامع الصحيح" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، و"المسند الصحيح" لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري؛ إذ هي أصول كل أصل ومنتهى كل عمل في هذا الباب، وقول وقدرة مدعٍ كل قوة بالله في علم الآثار وحول، وعليها مدار أندية السماع وبها عمارتها، وهي مبادئ علوم الآثار وغايتها ومصاحف السنن ومذاكرتها، وأحق ما صرفت إليه العناية وشغلت به الهمة، ولم يؤلف في هذا الشأن كتاب مفرد تقلد عهدة ما ذكرناه على أحد هذِه الكتب أو غيرها إلا ما صنعه الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في "تصحيف المحدثين"، وأكثره مما ليس في هذِه الكتب، وما صنعه الإِمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف (١)، وإلا نكتًا مفترقة وقعت أثناء شروحها لغير واحد، لو جمعت لم تشف غليلًا ولم تبلغ من البغية إلا قليلاً، وإلا ما جمع الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد
(١) يشير القاضي إلى كتاب "إصلاح غلط المحدثين" وهو مطبوع.