للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُخْرِيًّا} [الزخرف: ٣٢] بالوجهين، والسخرية في حق الله لا تجوز؛ لأنه سبحانه متعال عن الخلف في أقواله ومواعده، ومعنى قوله: "تَسْخَرُ بِي" (١) أي: تضعني (٢) فيما لا أراه من حقي، فكأنها صورة السخرية، ويحتمل أن يكون قائل هذا أصابه من الدهش والحيرة لما أصابه (٣) من سعة (٤) رحمة الله عز وجل بعد إشرافه على الهلاك، وما ناله من السقوط والزحف على الصراط، وما لقيه من حرَّ النار وريحها وانفهاق الجنة له بعد بعدها عنه ما لم يحتسبه وما (٥) لم يطمع فيه فلم يحفظ (٦) - فرحًا ودهشًا - لفظه، وأجرى كلامه على عادته مع المخلوق (٧) مثله، كما قال الآخر من الدهش والفرح: "أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ" (٨).

وقيل: معنى: "أَتَسْخَرُ بِي" أي: أنت لا تسخر بي وأنت الملك، وأن الهمزة هاهنا ليست للاستفهام والتقرير للسخرية بل لنفيها، كما قال تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: ١٥٥] أي: إنك لا تفعل ذلك، وقد يكون هذا الكلام على طريق المقابلة من جهة المعنى والمجانسة، كما قال تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩] ونحوه، وذلك لما أخلف (٩) هو مواعد الله غير مرة ألّا يسأله شيئًا غير


(١) مسلم (١٨٦/ ٣٠٨ - ٣٠٩).
(٢) في (أ): (تعطني)، وفي (م): (يطعني)، وفي "المشارق": (تطمعني).
(٣) في (أ، م): (رآه).
(٤) ساقطة من (س).
(٥) من (س).
(٦) في (أ، م): (يضبط).
(٧) في (د): (المخلوقين).
(٨) مسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس. وفي (س، د): (أنا ربك وأنت عبدي).
(٩) في (س): (اختلف).

<<  <  ج: ص:  >  >>