للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون إلى مدة، وهي ما دامت الجريدتان رطبتين - استدرك بحرف: "إلا"، وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي؛ لأن حرف (لعل) ليس بحرف إثبات، فأشبه الشرط، فكان كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فقال كَمَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أجرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلَّا فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ بهِ" (١) فأتى بـ "إلا" بعد الخبر؛ لما كان فيه من الشرط، والشرط ليس بإثبات محض، وكذلك لعل.

وفي حديث الثلاثة الذين خلفوا: قول كعب بن مالك: "فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلإِسْلَامِ، أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِ (٢) رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَلا اَكُونَ كَذَبْتُهُ" كذا في الصحيحين لكافة الرواة حيث تكرر (٣)، وعند الأصيلي في باب من البخاري: "ألا أن أكون كذبته" بزيادة: "أن" والأول هو الصواب لا غير، ومعناه: أن أكون كذبته، و"لا" هاهنا زائدة كهي في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: ١٢] هكذا رأيت هذا الكلام لشيخنا القاضي - رحمه الله -، وهو عندي غير بين، وأبين منه أن تكون: "لا" غير زائدة، وتكون: "أن" التي قبلها مخففة من الثقيلة، ويكون التقدير: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة أعظم من أني لم أكن كذبته فأهلك. وإذا قدرت: "لا" زائدة كما تأول الشيخ؛ انعكس المعنى، وصار التقدير: ما أنعم الله علي من نعمة أعظم من أن أكون كذبته، أي: من كوني كذبته.


(١) "الموطأ" ١/ ٢٣٦، مسلم (٩١٨) عن أم سلمة.
(٢) في (س): (صدق)، والمثبت من "الصحيحين".
(٣) البخاري (٤٤١٨، ٤٦٧٣)، مسلم (٢٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>