للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو تمام فخطيب منبر، وأما البحتري فواصف جؤذر [١] وأما المتنبي فقائد عسكر.

وقال أبو الفتح بن الأثير في كتاب «المثل السائر» [٢] يصف الثلاثة:

[وهؤلاء الثلاثة] [٣] هم لات الشعر، وعزّاه، ومناته، الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين، وفصاحة القدماء، وجمعت بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء [٤] .

أما أبو تمّام فربّ معان وصيقل ألباب وأذهان، وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر، فهو غير مدافع عن مقام الإغراب الذي يبرز فيه على الأضراب، ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير، ولم أقل ما أقول فيه إلّا عن تنقيب وتنقير، فمن حفظ شعر الرّجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام، وكان قوله في البلاغة ما قالت حذام: فخذ مني في ذلك قول حكيم، وتعلّم ففوق كل ذي علم عليم.

وأما البحتريّ، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغنّى، ولقد حاز طرفي الرّقّة والجزالة على الإطلاق، فبينا يكون في شظف، نجد، حتّى يتشبّب [٥] بريف العراق.

وسئل أبو الطيب عنه، وعن أبي تمّام، وعن نفسه، فقال: أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحتري.

قال [٦] : ولعمري لقد أنصف في حكمه، وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه، فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء، في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء، فأدرك بذلك بعد المرام، مع قربه من


[١] الجؤذر: ولد البقرة الوحشية. انظر «مختار الصحاح» ص (٩٠) .
[٢] (٢/ ٣٦٨- ٣٧٠) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
[٣] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل، وأثبته من المطبوع، و «المثل السائر» .
[٤] في الأصل، والمطبوع: «وكلمة الحكماء» وأثبت ما في «المثل السائر» .
[٥] في «المثل السائر» : «يتشبث» .
[٦] القائل ابن الأثير في «المثل السائر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>